للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَمِيعِهَا، وَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ، لَكِنْ قَالَ: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَدَدِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَقْوَى لِثُبُوتِ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَزِيَادَةُ الْحَافِظِ حُجَّةٌ.

وَقَوْلُهُ: عَرِّفْهَا بِالتَّشْدِيدِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ اذْكُرْهَا لِلنَّاسِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَحَلُّ ذَلِكَ الْمَحَافِلُ كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، يَقُولُ: مَنْ ضَاعَتْ لَهُ نَفَقَةٌ. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ.

وَقَوْلُهُ: سَنَةً أَيْ مُتَوَالِيَةً فَلَوْ عَرَّفَهَا سَنَةً مُتَفَرِّقَةً لَمْ يَكْفِ كَأَنْ يُعَرِّفَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ عَرَّفَهَا سَنَةً فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَرَّةً ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَجُوزُ بِوَكِيلِهِ، وَيُعَرِّفُهَا فِي مَكَانِ سُقُوطِهَا وَفِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا) جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ أَبْوَابِ اللُّقَطَةِ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا) سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ إِمْضَاءِ الصَّدَقَةِ أَوْ تَغْرِيمِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: إِلَّا إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ كَمَا فِي قِصَّةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ) أَيْ مَا حُكْمُهَا؟ فَحَذَفَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الضَّالَّةُ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَمَا سِوَاهُ يُقَالُ لَهُ: لُقَطَةٌ. وَيُقَالُ لِلضَّوَالِّ أَيْضًا الْهَوَامِي وَالْهَوَافِي بِالْمِيمِ وَالْفَاءِ وَالْهَوَامِلُ.

قَوْلُهُ: (لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ أَخْذِهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: هِيَ ضَعِيفَةٌ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ، مُعَرَّضَةٌ لِلْهَلَاكِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَوْ أَخُوكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ مِنْ مُلْتَقِطٍ آخَرَ، وَالْمُرَادُ بِالذِّئْبِ جِنْسُ مَا يَأْكُلُ الشَّاةَ مِنَ السِّبَاعِ. وَفِيهِ حَثٌّ لَهُ عَلَى أَخْذِهَا لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بَقِيَتْ لِلذِّئْبِ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى أَخْذِهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ فَقَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ إِلَخْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ: يَتْرُكُ الْتِقَاطَ الشَّاةِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْأَخْذِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَرَامَةٌ وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا.

وَاحْتَجَّ لَهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْمُلْتَقِطِ، وَالذِّئْبُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّ الذِّئْبَ لَا يَمْلِكُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ عَلَى شَرْطِ ضَمَانِهَا. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْمُلْتَقِطُ لَأَخَذَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الشَّاةِ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي اللُّقَطَةِ شَأْنَكَ بِهَا أَوْ خُذْهَا بَلْ هُوَ أَشْبَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ مَعَهُ ذِئْبًا وَلَا غَيْرَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَالُوا فِي النَّفَقَةِ: يَغْرَمُهَا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ تَعْرِيفُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ أَكَلَهَا إِنْ شَاءَ وَغَرِمَ لِصَاحِبِهَا، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا إِذَا وُجِدَتْ فِي الْفَلَاةِ، وَأَمَّا فِي الْقَرْيَةِ فَيَجِبُ فِي الْأَصَحِّ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْغَرَامَةَ وَلَا نَفَاهَا فَثَبَتَ حُكْمُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ انْتَهَى. وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فِيهَا ذِكْرُ حُكْمِ الشَّاةِ إِذَا أَكَلَهَا الْمُلْتَقِطُ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، نَعَمْ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي ضَالَّةِ الشَّاةِ فَاجْمَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا.

قَوْلُهُ: (فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ أَيْ تَغَيَّرَ، وَأَصْلُهُ فِي الشَّجَرِ إِذَا قَلَّ مَاؤُهُ فَصَارَ قَلِيلَ النَّضْرَةِ عَدِيمَ الْإِشْرَاقِ، وَيُقَالُ لِلْوَادِي الْمُجْدِبِ: أَمْعَرَ. وَلَوْ رُوِيَ تَمَغَّرَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْ صَارَ بِلَوْنِ الْمَغْرَةِ وَهُوَ حُمْرَةٌ شَدِيدَةٌ إِلَى كُمُودَةٍ،