التَّطْوِيقُ تَطْوِيقَ الْإِثْمِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الظُّلْمَ الْمَذْكُورَ لَازِمٌ لَهُ فِي عُنُقِهِ لُزُومَ الْإِثْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ وَبِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَزَمَ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَتَنَوَّعَ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِصَاحِبِ هَذِهِ
الْجِنَايَةِ أَوْ تَنْقَسِمَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَيُعَذَّبُ بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَفْسَدَةِ وَضَعْفِهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ: أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذِرَاعُ أَرْضٍ يَسْرِقُهُ رَجُلٌ فَيُطَوَّقُهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَفِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الظُّلْمِ وَالْغَصْبِ وَتَغْلِيظُ عُقُوبَتِهِ، وَإِمْكَانُ غَصْبِ الْأَرْضِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَكَأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ أَسْفَلَهَا إِلَى مُنْتَهَى الْأَرْضِ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ حَفَرَ تَحْتَهَا سَرَبًا أَوْ بِئْرًا بِغَيْرِ رِضَاهُ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ ثَابِتَةٍ وَأَبْنِيَةٍ وَمَعَادِنَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِالْحَفْرِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَنْ يُجَاوِرُهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعَ مُتَرَاكِمَةٌ لَمْ يُفْتَقْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّهَا لَوْ فُتِقَتْ لَاكْتُفِيَ فِي حَقِّ هَذَا الْغَاصِبِ بِتَطْوِيقِ الَّتِي غَصَبَهَا لِانْفِصَالِهَا عَمَّا تَحْتَهَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعَ طِبَاقٌ كَالسَّمَاوَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: سَبْعُ أَرَضِينَ؛ سَبْعَةُ أَقَالِيمَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُطَوَّقِ الْغَاصِبُ شِبْرًا مِنْ إِقْلِيمٍ آخَرَ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ، وَهُوَ وَالَّذِي قَبْلَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا كَانَ بِسَبَبِهَا، وَإِلَّا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ.
(تَنْبِيهٌ): أَرْوَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ بِاسْمِ الْحَيَوَانِ الْوَحْشِيِّ الْمَشْهُورِ، وَفِي الْمَثَلِ يَقُولُونَ إِذَا دَعَوْا: كَعَمَى الْأَرْوَى قَالَ الزُّبَيْرُ فِي رِوَايَتِهِ: كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا دَعَوْا قَالُوا: أَعْمَاهُ اللَّهُ كَعَمَى أَرْوَى، يُرِيدُونَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: ثُمَّ طَالَ الْعَهْدُ فَصَارَ أَهْلُ الْجَهْلِ يَقُولُونَ: كَعَمَى الْأَرْوَى، يُرِيدُونَ الْوَحْشَ الَّذِي بِالْجَبَلِ وَيَظُنُّونَهُ أَعْمَى شَدِيدَ الْعَمَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ) هُوَ الْمُعَلِّمُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ تَدْلِيسِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ لِأَنَّهُ سَمِعَ الْكَثِيرَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ، وَوَقَعَ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ: وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَفِيهِ نَوْعُ تَعْيِينٍ لِلْخُصُومِ وَتَعْيِينُ الْمُتَخَاصَمِ فِيهِ.
قَوْلُهُ (فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ) حَذَفَ الْمَفْعُولَ، وَسَيَأْتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ.
قال الفربري قال أبو جعفر بن أبي حاتم، قال أبو عبد الله: هذا الحديث ليس بخراسان في كتب ابن المبارك، أملى عليهم بالبصرة.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَالِمٍ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْفَرَبْرِيُّ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ): هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْبُخَارِيُّ وَرَّاقُ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ الْفَرَبْرِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً عَنِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَثَبَتَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ مَشَايِخِهِ الثَّلَاثَةِ وَسَقَطَتْ لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كُتُبِ ابْنِ الْمُبَارَكِ) يَعْنِي أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ صَنَّفَ كُتُبَهُ بِخُرَاسَانَ وَحَدَّثَ بِهَا هُنَاكَ وَحَمَلَهَا عَنْهُ أَهْلُهَا وَحَدَّثَ فِي أَسْفَارِهِ بِأَحَادِيثَ مِنْ حِفْظِهِ زَائِدَةٍ عَلَى مَا فِي كُتُبِهِ هَذَا مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (أَمْلَى عَلَيْهِمْ بِالْبَصْرَةِ) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَأَثْبَتَهُ الْكُشْمِيهَنِيُّ فَقَالَ: أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي كُتُبِهِ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا بِخُرَاسَانَ أَنْ لَا يَكُونَ حَدَّثَ بِهِ بِخُرَاسَانَ، فَإِنَّ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ الْمَرْوَزِيَّ مِمَّنْ حَمَلَ عَنْهُ بِخُرَاسَانَ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُعَيْمٌ أَيْضًا إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ.