عَامِرٍ قَالَ: "قُلْنَا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَنَا إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ"
[الحديث ٢٤٦١ - طرفه في: ٦١٣٧]
قَوْلُهُ: (بَابُ قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ)؛ أَيْ: هَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ بِقَدْرِ الَّذِي لَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ؟ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ الظَّفَرِ، وَقَدْ جَنَحَ الْمُصَنِّفُ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَلِهَذَا أَوْرَدَ أَثَرَ ابْنِ سِيرِينَ عَلَى عَادَتِهِ فِي التَّرْجِيحِ بِالْآثَارِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُقَاصُّهُ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَصْلُهُ: يُقَاصِصُهُ (وَقَرَأَ)؛ أَيِ ابْنُ سِيرِينَ ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا﴾ الْآيَةَ، وَهَذَا وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْهُ بِلَفْظِ: إِنْ أَخَذَ أَحَدٌ مِنْكَ شَيْئًا فَخُذْ مِثْلَهُ. ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَفِيهِ: أَذِنَ النَّبِيُّ ﷺ لَهَا بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهَا. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَدِيثُ هِنْدَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ مَالِ مَنْ لَمْ يُوفِهِ أَوْ جَحَدَهُ قَدْرَ حَقِّهِ.
قَوْلُهُ فِيهِ: (رَجُلٌ مِسِّيكٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّشْدِيدِ لِلْأَكْثَرِ؛ قَالَهُ عِيَاضٌ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْإِتْقَانِ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْفَتْحُ وَالتَّخْفِيفُ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْكَسْرُ وَالتَّشْدِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَامِرٍ قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنا، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا: إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ.
ثَانِيهِمَا: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي يَزِيدُ) هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ ضِدُّ الشَّرِّ، وَاسْمُهُ مَرْثَدٌ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مِصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (لَا يَقْرُونَنَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ: لَا يَقْرُونَا؛ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَدَّدَهَا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ: فَلَا هُمْ يُضَيِّفُونَنَا، وَلَا هُمْ يُؤَدُّونَ مَا لَنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَوْا (١) فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَخُذا مِنْهُ؛ أَيْ مِنْ مَالِهِمْ. وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قِرَى الضَّيْفِ وَاجِبٌ، وَأَنَّ الْمَنْزُولَ عَلَيْهِ لَوِ امْتَنَعَ مِنَ الضِّيَافَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا. وَقَالَ بِهِ اللَّيْثُ مُطْلَقًا، وَخَصَّهُ أَحْمَدُ بِأَهْلِ الْبَوَادِي دُونَ الْقُرَى، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الضِّيَافَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ؛ أَحَدُهَا حَمْلُهُ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا؛ هَلْ يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ الْعِوَضُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ اللُّقَطَةِ. وَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ طَلَبَ الشِّرَاءَ مُحْتَاجًا فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الطَّعَامِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ كَرْهًا قَالَ: وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا.
ثَانِيهَا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً، فَلَمَّا فُتِحَتِ الْفُتُوحُ نُسِخَ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَقِّ الضَّيْفِ: وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالْجَائِزَةُ تَفَضُّلٌ لَا وَاجِبَةٌ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالتَّفَضُّلِ تَمَامُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لَا أَصْلُ الضِّيَافَةِ. وَفِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ مَرْفُوعًا: أَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَظْفَرْ مِنْهُ بِشَيْءٍ.
ثَالِثُهَا: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْعُمَّالِ الْمَبْعُوثِينَ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، فَكَانَ عَلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ إِنْزَالُهُمْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِمُ الَّذِي يَتَوَلَّوْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُمْ
(١) في النسخ المتداولة من صحيح البخاري "فإن لم يفعلوا" وعليها شرح القسطلاني