للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ قَالَا: قَدِمَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ لَا يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ. قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ جَابِرٌ: فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا - فَقَالَ جَابِرٌ بِكَفِّهِ - فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ. فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ لَنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: لَا؛ بَلْ لِلْأَبَدِ. قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَالْبُدْنِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ؛ جَمْعُ بَدَنَةٍ، وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَشْرَكَ الرَّجُلُ رَجُلًا فِي هَدْيِهِ بَعْدَمَا أَهْدَى)؛ أَيْ: هَلْ يَسُوغُ ذَلِكَ؟ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ وَفِيهِ إِهْلَالُ عَلِيٍّ، وَفِيهِ: فَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْحَجِّ. وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ بَعْدَمَا سَاقَ النَّبِيُّ الْهَدْيَ مِنَ الْمَدِينَةِ؛ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ بَدَنَةً، وَجَاءَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ وَمَعَهُ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ بَدَنَةً، فَصَارَ جَمِيعُ مَا سَاقَهُ النَّبِيُّ مِنَ الْهَدْيِ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَشْرَكَ عَلِيًّا مَعَهُ فِيهَا. وَهَذَا الِاشْتِرَاكُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ عَلِيًّا شَرِيكًا لَهُ فِي ثَوَابِ الْهَدْيِ، لَا أَنَّهُ مَلَّكَهُ لَهُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهُ هَدْيًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ لَمَّا أَحْضَرَ الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ فَرَآهُ النَّبِيُّ مَلَّكَهُ نِصْفَهُ مَثَلًا فَصَارَ شَرِيكًا فِيهِ، وَسَاقَ الْجَمِيعَ هَدْيًا فَصَارَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ لَا فِي الَّذِي سَاقَهُ النَّبِيُّ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ بَيَانُ الَّذِي عَبَّرَ بِالْعِبَارَةِ الْأُولَى وَهُوَ جَابِرٌ، وَكَذَا وَقَعَ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ، وَتَعَيَّنَ أَنَّ الَّذِي قَالَ: بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: بِحَجَّةِ؛ أَيْ بِمِثْلِ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ .

(تَنْبِيهٌ): حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَغْفَلَهُ الْمِزِّيُّ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ طَاوُسٍ؛ لَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، وَلَا فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهُ، بَلْ لَمْ يُذْكَرْ لِوَاحِد مِنْهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ طَاوُسٍ، وَكَذَا صَنَعَ الْحُمَيْدِيُّ فَلَمْ يَذْكُرْ طَرِيقَ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ؛ لَا فِي الْمُتَّفَقِ، وَلَا فِي إفْرَادِ الْبُخَارِيِّ. لَكِنْ تَبَيَّنَ مِنْ مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ طَاوُسٍ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى؛ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ أَرَ لِابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ طَاوُسٍ رِوَايَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِوَاسِطَةٍ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مَعَ كِبَرِهِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَنْ طَاوُسٍ مُنْقَطِعٌ، فَقَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُجَاهِدٍ وَلَا مِنْ عِكْرِمَةَ، وَإِنَّمَا أَرْسَلَ عَنْهُمَا، وَطَاوُسٌ مِنْ أَقْرَانِهِمَا. وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ لِكَوْنِهِ تَأَخَّرَتْ عَنْهُمَا وَفَاتُهُ نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.