عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فِي الشُّرُوطِ بِلَفْظِ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا إِذَا بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ. وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إِذْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى عَائِشَةَ بِطَلَبِهَا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهَا غَيْرُهَا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ، فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامٍ، فَعَرَفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تُعْتِقَهَا إِذِ الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ. فَقَالَ ﷺ: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي. وَهُوَ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ خُذِيهَا، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي طَرِيقِ أَيْمَنَ الْآتِيَةِ: دَخَلْتُ عَلَى بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قَالَتْ: نَعَمْ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا وَبِهَذَا يَتَّجِهُ الْإِنْكَارُ عَلَى مَوَالِي بَرِيرَةَ؛ إِذْ وَافَقُوا عَائِشَةَ عَلَى بَيْعِهَا ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَيْمَنَ الْمَذْكُورَةِ قَالَتْ: لَا تَبِيعُونِي حَتَّى تَشْتَرِطُوا وَلَائِي، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ الْآتِيَةِ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ عَائِشَةَ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لِأُعْتِقَهَا، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْهِبَةِ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا.
قَوْلُهُ: (ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ) الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ هُنَا السَّادَةُ، وَالْأَهْلُ فِي الْأَصْلِ الْآلُ، وَفِي الشَّرْعِ: مَنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ) هُوَ مِنَ الْحِسْبَةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَحْتَسِبَ الْأَجْرَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يَكُونَ لَهَا وَلَاءٌ.
قَوْلُهُ: (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ، وَفِي رِوَايَةِ أَيْمَنَ الْآتِيَةِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ أَوْ بَلَغَهُ. زَادَ فِي الشُّرُوطِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ: فَجَاءَتْنِي بَرِيرَةُ وَالنَّبِيُّ ﷺ جَالِسٌ فَقَالَتْ لِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهَا: مَا أَرَادَ أَهْلُهَا، فَقُلْتُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا، وَرَفَعْتُ صَوْتِي وَانْتَهَرْتُهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ لَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ.
قَوْلُهُ: (ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي) هُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْإِشْكَالِ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَرَطَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَإِنِ اشْتَرَطَ.
قَوْلُهُ: (مِائَةَ مَرَّةٍ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي مِائَةَ شَرْطٍ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ، وَأَيْمَنَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَوِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ تَوْكِيدًا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ: وإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى التَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ شَرْطٍ، وَفِي قَوْلِهِ: مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا دَالٌّ عَلَى بُطْلَانِ جَمِيعِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْيِيدِهَا بِالْمِائَةِ فَإِنَّهَا لَوْ زَادَتْ عَلَيْهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهَا الصِّيغَةُ. نَعَمِ الطَّرِيقُ الْأَخِيرَةُ مِنْ رِوَايَةِ أَيْمَنَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ، وَإِنِ احْتَمَلَ التَّأْكِيدَ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعَدُّدُ، وَذَكَرَ الْمِائَةَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّكْثِيرِ، يَعْنِي أَنَّ الشُّرُوطَ الْغَيْرَ الْمَشْرُوعَةِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَثُرَتْ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَشْرُوعَةَ صَحِيحَةٌ، وَسَيَأْتِي التَّنْصِيصُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَرَادَتْ عَائِشَةُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ فَصَارَ مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ، وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَفَرُّدِهِ عَنْ مَالِكٍ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute