للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَذِنَ السَّيِّدُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ تَصَرُّفُهُ.

وَفِيهِ جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْعِتْقِ أَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ الرَّقَبَةِ لِيَتَسَاهَلُوا لَهُ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الرِّيَاءِ. وَفِيهِ إِنْكَارُ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ وَانْتِهَارُ الرَّسُولِ فِيهِ.

وَفِيهِ أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا بِيعَ بِالنَّقْدِ كَانَتِ الرَّغْبَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا لَوْ بِيعَ بِالنَّسِيئَةِ، وَأَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنَهُ بِرِضَاهُ.

وَفِيهِ جَوَازُ الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَجَّلَ بَعْضَ كِتَابَتِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ سَيِّدُهُ الْبَاقِيَ لَمْ يُجْبَرِ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. وَجَوَازُ الْكِتَابَةِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَقَلَّ مِنْهَا وَأَكْثَرَ، لِأَنَّ بَيْنَ الثَّمَنِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُؤَجَّلِ فَرْقًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَذَلَتْ عَائِشَةُ الْمُؤَجَّلَ نَاجِزًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا كَانَتْ بِالتَّأْجِيلِ أَكْثَرَ مِمَّا كُوتِبَتْ بِهِ وَكَانَ أَهْلُهَا بَاعُوهَا بِذَلِكَ.

وَفِيهِ أَنَّ المُرَادَ بِالْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ الْقُوَّةُ عَلَى الْكَسْبِ، وَالْوَفَاءُ بِمَا وَقَعَتِ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَالَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ، لَكِنْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ، لَا يَرِدُ عَلَيْهِ هَذَا، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَالُ، مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، فَنُسِبَ إِلَى التَّنَاقُضِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَالُ سَيِّدِهِ وَالْمَالَ الَّذِي مَعَهُ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَصِحُّ تَفْسِيرِ الْخَيْرِ بِالْمَالِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا مَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ: لَا مَالَ لَهُ. أَوْ: لَا مَالَ عِنْدَهُ، فَكَذَا إِنَّمَا يُقَالُ: فِيهِ وَفَاءٌ وَفِيهِ أَمَانَةٌ وَفِيهِ حُسْنُ مُعَامَلَةٍ. وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا جَوَازُ كِتَابَةِ مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وِفَاقًا لِلْجُمْهُورِ، وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَلَى كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْهَا شَيْئًا، فَلَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَمَا احْتَاجَتْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا لَمْ تَكُنْ حَالَّةً. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ ابْتَاعَتْ بَرِيرَةَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ لَمْ تَقْضِ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا وَتَقَدَّمَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْكِتَابَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَوْسَاخُ النَّاسِ.

وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ مَعُونَةِ الْمُكَاتَبَةِ بِالصَّدَقَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْفَرْضِ. وَفِيهِ جَوَازُ الْكِتَابَةِ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ، وَجَوَازُ التَّأْقِيتِ فِي الدُّيُونِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا كَذَا، مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِانْقِضَاءِ الشَّهْرِ الْحُلُولُ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ بَرِيرَةَ: فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ أَيْ فِي غُرَّتِهِ مَثَلًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَيُمْكِنُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالدُّيُونِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَجَزَ حَلَّ لِسَيِّدِهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَصَّرَ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَإِلَّا يَصِيرُ الْأَجَلُ مَجْهُولًا.

وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ عَنِ السَّلَفِ إِلَّا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَفِيهِ أَنَّ الْعَدَّ فِي الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ الْمَعْلُومَةِ الْوَزْنِ يَكْفِي عَنِ الْوَزْنِ، وَأَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ بِالْأَوَاقِيِّ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَزَعَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالْعَدِّ إِلَى مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ الْمَدِينَةَ ثُمَّ أُمِرُوا بِالْوَزْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِصَّةَ بَرِيرَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ مَقْدَمِهِ بِنَحْوٍ مِنْ ثَمَانِ سِنِينَ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ أَعُدُّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيْ أَدْفَعُهَا لَهُمْ، وَلَيْسَ مُرَادُهَا حَقِيقَةَ الْعَدِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا فِي طَرِيقِ عَمْرَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً.

وَفِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَهَبَهُ مَثَلًا، وَأَنَّ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ مَا لَا يُبْطِلُ وَلَا يَضُرُّ الْبَيْعَ.

وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بَرِيرَةَ لَمْ تَقُلْ إِنَّهَا عَجَزَتْ وَلَا اسْتَفْصَلَهَا النَّبِيُّ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

وَفِيهِ جَوَازُ مُنَاجَاةِ