الْوَالِدِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي انْتِزَاعِهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ خَفَاءٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فَلَأَنْ يَسْتَرْجِعَ مَا وَهَبَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَاشْتَرَى النَّبِيُّ ﷺ مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْبُيُوعِ. وَيَأْتِي أَيْضًا مَوْصُولًا بَعْدَ اثْنَيْ عَشَرَ بَابًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ ﷺ لَوْ سَأَلَ عُمَرَ أَنْ يَهَبَ الْبَعِيرَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ لَبَادَرَ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا بَيْنَ بَنِي عُمَرَ، فَلِذَلِكَ اشْتَرَاهُ ﷺ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْمَعْدِلَةُ فِيمَا يَهَبُهُ غَيْرُ الْأَبِ لِوَلَدِ غَيْرِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
قَوْلُهُ: (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) كَذَا لِأَكْثَرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ، وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَاهُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ بَشِيرٍ فَشَذَّ بِذَلِكَ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النُّعْمَانِ، وَبَشِيرٌ وَالِدُ النُّعْمَانِ هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْجُلَاسِ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ - الْخَزْرَجِيُّ، صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَشَهِدَ غَيْرَهَا، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ: عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النُّعْمَانِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو الضُّحَى عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَأَحْمَدَ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَالْمُفَضَّلُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَالشَّعْبِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَاهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَدَدٌ كَثِيرٌ أَيْضًا، وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ مُفَصِّلًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً. وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حِبَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ سَبَبُ سُؤَالِهَا شَهَادَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَفْظُهُ: عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ. زَادَ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً أَيْ مَطَلَهَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: بَعْدَ حَوْلَيْنِ.
وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ سَنَةً وَشَيْئًا فَجَبَرَ الْكَسْرَ تَارَةً وَأَلْغَى أُخْرَى، قَالَ: ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ لَهُ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِهِ فَمَشَى مَعَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ وَحَمَلَهُ فِي بَعْضِهَا لِصِغَرِ سِنِّهُ، أَوْ عَبَّرَ عَنِ اسْتِتْبَاعِهِ إِيَّاهُ بِالْحَمْلِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ كَانَتْ غُلَامًا، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ مَعًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَرِيزٍ بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَالطَّبَرَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ إنَّ النُّعْمَانَ خَطَبَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: إِنَّ وَالِدِي بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ نَفِسَتْ بِغُلَامٍ، وَإِنِّي سَمَّيْتُهُ النُّعْمَانَ، وَإِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى جَعَلْتُ لَهُ حَدِيقَةً مِنْ أَفْضَلِ مَالٍ هُوَ لِي وَأَنَّهَا قَالَتْ: أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَفِيهِ قَوْلُهُ ﷺ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ.
وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِال حَمْلِ عَلَى وَقِعَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ وِلَادَةِ النُّعْمَانِ وَكَانَتِ الْعَطِيَّةُ حَدِيقَةً، وَالْأُخْرَى بَعْدَ أَنْ كبر النُّعْمَانُ وَكَانَتِ الْعَطِيَّةُ عَبْدًا، وَهُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَنْسَى بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ مَعَ جَلَالَتِهِ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَعُودَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيَسْتَشْهِدَهُ عَلَى الْعَطِيَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute