للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ نَاقَةً فَقَالَ: أَسْلَمْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ، وَالزَّبْدُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الرَّفْدُ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ. وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى الْجَوَازِ، فَجَمَعَ بَيْنَهَا الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِيمَا أُهْدِيَ لَهُ خَاصَّةً وَالْقَبُولَ فِيمَا أُهْدِيَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجَوَازِ مَا وَقَعَتِ الْهَدِيَّةُ فِيهِ لَهُ خَاصَّةً، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ بِهَدِيَّتِهِ التَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ، وَالْقَبُولَ فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى بِذَلِكَ تَأْنِيسُهُ وَتَأْلِيفُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ يُحْمَلُ الْقَبُولُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ. وَقِيلَ: يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ الْمَنْعِ بِأَحَادِيثِ الْقَبُولِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ. وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ فَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا التَّخْصِيصِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ : هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ) الْحَدِيثَ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَرِدْ مِنْ شَرْعِنَا إِنْكَارُهُ.

قَوْلُهُ: (وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا فِي هَذَا الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فِي طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى مَكَّةَ، وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِي الزَّكَاةِ.

وَقَوْلُهُ: وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِبَحْرِهِمْ أَيْ بِبَلَدِهِمْ، وَحَمَلَهُ الدَّاوُدِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَوَهَمَ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَّنِفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:

أَحَدُهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي جُبَّةِ الْسُّنْدُسِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (أُهْدِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَنْهَى) أَيِ النَّبِيُّ (عَنِ الْحَرِيرِ) وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ سَعِيدٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ (إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ سَعِيدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهِ وَقَالَ فِيهِ: جُبَّةُ سُنْدُسٍ أَوْ دِيبَاجٍ، شَكَّ سَعِيدٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ التَّخَالُفِ مَعَ بَقِيَّةِ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ بَيَانَ الَّذِي أَهْدَى لِتَظْهَرَ مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ فِيهِ: إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأُكَيْدِرُ دُومَةَ هُوَ أُكَيْدِرٌ تَصْغِيرُ أَكْدَرَ، وَدُومَةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَلَدٌ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، وَهِيَ دُومَةُ الْجَنْدَلِ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ تَبُوكَ بِهَا نَخْلٌ وَزَرْعٌ وَحِصْنٌ عَلَى عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَثَمَانٍ مِنْ دِمَشْقَ، وَكَانَ أُكَيْدِرُ مَلِكَهَا، وَهُوَ أُكَيْدِرُ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْجِنِّ - بِالْجِيمِ وَالنُّونِ - ابْنِ أَعْبَاءَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يُنْسَبُ إِلَى كِنْدَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا. وَكَانَ النَّبِيُّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي سَرِيَّةٍ فَأَسَرَهُ وَقَتَلَ أَخَاهُ حَسَّانَ وَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ، فَصَالَحَهُ النَّبِيُّ عَلَى الْجِزْيَةِ وَأَطْلَقَهُ، ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّتَهُ مُطَوَّلَةً فِي الْمَغَازِي.

وَرَوَى أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ أَخْرَجَ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجًا بِالذَّهَبِ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ رَدِّ هَدِيَّتِهِ فَرَجَعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : ادْفَعْهُ إِلَى عُمَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا فَقَالَ: شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْحُلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلِيٌّ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ هِيَ هَذِهِ الَّتِي أَهْدَاهَا أُكَيْدِرٌ، وَسَيَأْتِي الْمُرَادُ بِالْفَوَاطِمِ فِي اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ أَيْضًا: أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَازِي، وَاسْمُ الْيَهُودِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ زَيْنَبُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهَا كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا) زَادَ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَأَكَلَ مِنْهُ فَقَالَ: إِنَّهَا جَعَلَتْ فِيهِ سُمًّا، وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَجِيءَ بِهَا إِلَى