آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَنَّهَا كَانَتْ رصِيفَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَمَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ حَتَّى كَبِرَ فَأَعْتَقَهَا ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ ﷺ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي ذِكْرُ سَبَبِ إِعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأُمِّ أَيْمَنَ بَدَلَ الْعِذَاقِ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ النَّخْلَاتِ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ ﷺ الَّذِي كَانُوا أَعْطَوْهُ. وَكَانَ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلْتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ: لَا نُعْطِيكُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهِ، قَالَ: وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: لَكِ كَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا قَالَ.
قَالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:
قَوْلُهُ: (عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَن الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي كَبْشَةَ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةِ حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، (السَّلُولِيِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَزَعَمَ الْحَاكِمُ أَنَّ اسْمَهُ الْبَرَاءُ بْنُ قَيْسٍ، وَوَهِمَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ وَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ لِأَبِي كَبْشَةَ وَلَا لِلرَّاوِي عَنْهُ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَآخَرَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ خَصْلَةً) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَرْبَعُونَ حَسَنَةً.
قَوْلُهُ: (الْعَنْزِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا زَايٌ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الْمَعْزِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ حَسَّانُ) هُوَ ابْنُ عَطِيَّةَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَا مُلَخَّصُهُ: لَيْسَ فِي قَوْلِ حَسَّانَ مَا يَمْنَعُ مِنْ وِجْدَانِ ذَلِكَ وَقَدْ حَضَّ ﷺ عَلَى أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ لَا تُحْصَى كَثِيرَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ ﷺ كَانَ عَالِمًا بِالْأَرْبَعِينَ الْمَذْكُورَةِ، وإِنَّمَا لَمْ يَذَكُرْهَا لِمَعْنًى هُوَ أَنْفَعُ لَنَا مِنْ ذِكْرِهَا، وَذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ التَّعْيِينُ لَهَا مُزَهِّدًا فِي غَيْرِهَا مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ، قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ تَطَلَّبَهَا فَوَجَدَهَا تَزِيدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، فَمِمَّا زَادَهُ إِعَانَةُ الصَّانِعِ، وَالصَّنْعَةُ لِلْأَخْرَقِ، وَإِعْطَاءُ شِسْعِ النَّعْلِ، وَالسَّتْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالذَّبُّ عَنْ عِرْضِهِ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ، وَالتَّفَسُّحُ فِي الْمَجْلِسِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْخَيْرِ، وَالْكَلَامُ الطَّيِّبُ، وَالْغَرْسُ، وَالزَّرْعُ، وَالشَّفَاعَةُ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَالْمُصَافَحَةُ، وَالْمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ لِأَجْلِهِ، وَالْمُجَالَسَةُ لِلَّهِ، وَالتَّزَاوُرُ، وَالنُّصْحُ، وَالرَّحْمَةُ - وَكُلُّهَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَفِيهَا مَا قَدْ يُنَازَعُ فِي كَوْنِهِ دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ، وَحَذَفْتُ مِمَّا ذَكَرَهُ أَشْيَاءَ قَدْ تَعَقَّبَ ابْنُ الْمُنِيرِ بَعْضَهَا، وَقَالَ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَنَى بِعَدِّهَا لِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ، ثُمَّ أَنَّى عَرَفَ أَنَّهَا أَدْنَى مِنَ الْمَنِيحَةِ؟ قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَدْتُ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْهَا تَقْرِيبَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ الَّتِي عَدَّهَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، وَهِيَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنَا مُوَافِقٌ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي إِمْكَانِ تَتَبُّعِ أَرْبَعِينَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ أَدْنَاهَا مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، وَمُوَافِقٌ لِابْنِ الْمُنِيرِ فِي رَدِّ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ فَوْقَ الْمَنِيحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ:
حَدِيثُ جَابِرٍ كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ تَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ:
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ فَيَكُونَ مَوْصُولًا، لَكِنْ صَرَّحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخَبَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي الْهِجْرَةِ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، فَلَوْ أَرَادَ هُنَا أَنْ يَعْطِفَهُ لَقَالَ هُنَاكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ كَعَادَتِهِ. نَعَمْ زَعَمَ الْمِزِّيُّ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْهِبَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الْهِجْرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،