عَنْهُ بِالْمَاضِي، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: عَرَضَنِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي فَلَمْ يُجِزْهُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُجِزْنِي. وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يُجِزْنِي بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِجَازَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيسَ وَغَيْرِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَاسْتَصْغَرَنِي.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي) لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِيانَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَزَادَ فِيهِ ذِكْرَ بَدْرٍ، وَلَفْظُهُ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.
الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْخَنْدَقِ ابْنَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً اهـ، وَهُوَ أَقْدَمُ مَنْ نَعْرِفُهُ اسْتَشْكَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، وَإِنَّمَا بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ شَهْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَاءَ مَا قَالَ يَزِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ابْنَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ جَنَحَ إِلَى قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَعَنْ مَالِكٍ الْجَزْمُ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَا إِشْكَالَ، لَكِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَغَازِي عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا تَوَجَّهُوا فِي أُحُدٍ نَادَوُا الْمُسْلِمِينَ: مَوْعِدُكُمُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ بَدْرٌ، وَأَنَّهُ ﷺ خَرَجَ إِلَيْهَا مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ فِي شَوَّالٍ فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى بَدْرَ الْمَوْعِدِ، وَلَمْ يَقَعْ بِهَا قِتَالٌ، فَتَعَيَّنَ مَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ إنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى الْجَوَابِ عَنِ الْإِشْكَالِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: عُرِضْتُ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْ دَخَلْتُ فِيهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: عُرِضْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْ تَجَاوَزْتُهَا فَأَلْغَى الْكَسْرَ فِي الْأُولَى وَجَبَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهُوَ شَائِعٌ مَسْمُوعٌ فِي كَلَامِهِمْ،
وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَانِ): الْأَوَّلُ زَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَرْضَ ابْنِ عُمَرَ كَانَ بِبَدْرٍ فَلَمْ يُجِزْهُ ثُمَّ بِأُحُدٍ فَأَجَازَهُ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ عُرِضَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ، وَلَا وُجُودَ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ عَنِ ابْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، وَأَبُو مَعْشَرٍ مَعَ ضَعْفِهِ لَا يُخَالِفُ مَا زَادَهُ مِنْ ذِكْرِ بَدْرٍ مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ بَلْ يُوَافِقُهُمْ.
الثَّانِي زَعَمَ ابْنُ نَاصِرٍ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْجَمْعِ لِلْحُمَيْدِيِّ هُنَا يَوْمَ الْفَتْحِ بَدَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: وَالسَّابِقُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوْ خَلَفٌ فَتَبِعَهُ شَيْخُنَا وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُ، وَالصَّوَابُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَتَلَقَّى ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ وَبَالَغَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى مَنْ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرًا أَحَدٌ.
قَوْلُهُ: (قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ هَذَا الَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ: هَذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ)، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ: وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَالِ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَفْرِضُوا أَيْ يُقَدِّرُوا لَهُمْ رِزْقًا فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ. وَكَانُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْعَطَاءِ، وَهُوَ الرِّزْقُ الَّذِي يُجْمَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُفَرَّقُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ.
وَاسْتُدِلَّ بِقِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ