أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ. فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَالَ فَعَلَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ) وَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا الْبَابِ بِأَبْوَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ وَعْدَ الْمَرْءِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنْجَازُ الْوَعْدِ مَأْمُورٌ بِهِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَوْعُودَ لَا يُضَارِبُ بِمَا وُعِدَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ اهـ. وَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ مَشْهُورٌ، لَكِنَّ الْقَائِلَ بِهِ قَلِيلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجَلُّ مَنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِنِ ارْتَبَطَ الْوَعْدُ بِسَبَبٍ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: تَزَوَّجْ وَلَكَ كَذَا، فَتَزَوَّجَ لِذَلِكَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ. وَخَرَّجَ بَعْضُهُمُ الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ هَلْ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي ﵀ فِي إِشْكَالَاتٍ عَلَى الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا عَنِ الْآيَةِ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ وَحَدِيثِ آيَةُ الْمُنَافِقِ قَالَ: وَالدَّلَالَةُ لِلْوُجُوبِ مِنْهَا قَوِيَّةٌ، فَكَيْفَ حَمَلُوهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مَعَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؟ وَيُنْظَرُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ الْإِخْلَافُ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ؟ أَيْ يَأْثَمُ بِالْإِخْلَافِ وَإِنْ كَانَ لَا يُلْزَمُ بِوَفَاءِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ) أَيِ الْأَمْرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ ﵇ دَخَلَ قَرْيَةً هُوَ وَرَجُلٌ فَأَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ، وَقَالَ لَهُ إِنَّهُ يَنْتظرُهُ، فَأَقَامَ حَوْلًا فِي انْتِظَارِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَوْذَبٍ أَنَّهُ اتَّخَذَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مَسْكَنًا، فَسُمِّيَ مِنْ يَوْمَئِذٍ صَادِقَ الْوَعْدِ.
قَوْلُهُ: (وَقَضَى ابْنُ الْأَشْوَعِ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْوَعِ، كَانَ قَاضِيَ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِ إِمَارَةِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ عَلَى الْعِرَاقِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ رِوَايَتِهِ كَذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي تَفْسِيرِ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمُصَنِّفُ (رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ (يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشَوْعَ) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إِنْجَازِ الْوَعْدِ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ عَنِ ابْنِ الْأَشْوَعِ وَبَيْنَ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ عَنْ إِسْحَاقَ فِي أَكْثَرِ النَّسْخِ. وَالَّذِي أَوْرَدْتُهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.
أَحَدُهَا: حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ، أَوْرَدَ مِنْهُ طَرَفًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى كَثِيرٍ مِنْ شَرْحِهِ.
ثَانِيهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آيَةِ الْمُنَافِقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ.
ثَالِثُهَا: حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّتِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا وَعَدَهُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ فَرْضِ الْخُمُسِ وَمَضَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ، وَأَشَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَوْلَى النَّاسِ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَدَّى أَبُو بَكْرٍ مَوَاعِيدَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْأَلْ جَابِرًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا فِي ذِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ وَإِنَّمَا ادَّعَى شَيْئًا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ) هُوَ ابْنُ عَجْلَانَ الْجَزَرِيِّ، شَامِيٌّ ثِقَةٌ، لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي الطِّبِّ، وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهُ مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، وَقَدْ تَابَعَ سَالِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَتَابَعَ سَعِيدًا، عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعُتْبَةُ