للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَحْمَدَ الْحَاكِمُ، وَابْنُ مَنْدَهْ، وَالْحَبَّالُ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، وَرَدَّ ذَلِكَ الْبَرْقَانِيُّ بِأَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ حُمَيْدٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ، وَجَوَّزَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَعْقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَلْقَهُ فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ، وَأَجَابَ الْبَرْقَانِيُّ عَنْهُ بِجَوَازِ سُقُوطِ الْوَاسِطَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي أَنَّهُ الدَّوْرَقِيُّ حَمْلًا لِمَا أَطْلَقَهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ لَا يُهْمِلُ نِسْبَةَ الرَّاوِي إِلَّا إِذَا ذَكَرَهَا فِي مَكَانٍ آخَرَ فَيُهْمِلُهَا اسْتِغْنَاءً بِمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ جَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الصّدق بِأَنَّهُ الدَّوْرَقِيُّ، وَكَذَا جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصُّلْحِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَوَقَعَ مَنْسُوبًا كَذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي.

قَوْلُهُ: (عَنِ الْقَاسِمِ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ آلِ أَبِي جَهْلٍ أَوْصَى بِوَصَايَا فِيهَا أَثَرَةٌ فِي مَالِهِ، فَذَهَبْتُ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَسْتَشِيرُهُ فَقَالَ الْقَاسِمُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْأَثَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي رِوَايَةِ الْمَخْرَمِيِّ الْمُعَلَّقَةِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَجَعْفَرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كِلَاهُمَا عَنْهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَسَاكِنُ فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ مَسْكَنٍ مِنْهَا قَالَ: يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ فَذَكَرَ الْمَتْنَ بِلَفْظِ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ.

قَوْلُهُ: (وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ) وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَنْ فَعَلَ أَمْرًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلَيْسَ لِعَبْدِ الْوَاحِدِ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ حَامِدٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ قَالَ: عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ، فَجَعَلَ بَعْضَهَا صَدَقَةً وَبَعْضَهَا مِيرَاثًا وَخَلَطَ فِيهَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْقَضَاءِ، فَمَا دَرَيْتُ كَيْفَ أَقْضِي فِيهَا، فَصَلَّيْتُ بِجَنْبِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: أَجِزْ مِنْ مَالِهِ الثُّلُثَ وَصِيَّةً، وَرُدَّ سَائِرَ ذَلِكَ مِيرَاثًا، فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ.

وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ آلِ أَبِي جَهْلٍ وَهَمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آلِ أَبِي لَهَبٍ، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ هُوَ بَقِيَّةُ الْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، لَكِنْ صَرَّحَ أَبُو عَوَانَةَ فِي رِوَايَتِهِ بِأَنَّهُ كَلَامُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا، فَالَّذِي أَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ مَسْكَنٍ أَوْصَى بِأَمْرٍ جَائِزٍ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إِلْزَامُ الْقَاسِمِ بِأَنْ يَجْمَعَ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَسَاكِنِ أَغْلَى قِيمَةً مِنْ بَعْضٍ، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَسَاكِنُ مُتَسَاوِيَةً فَيَكُونُ الْأَوْلَى أَنْ تَقَعَ الْوَصِيَّةُ بِمَسْكَنٍ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ يُوجِبُ إِنْكَارَهَا كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ حَامِدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْقُرْطُبِيُّ شَارِحُ مُسْلِمٍ مَا اسْتَشْكَلْتُهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْفِدْيَةَ، أَوِ الْمُوصَى لَهُمُ الْقِسْمَةَ وَتَمْيِيزَ حَقِّهِ، وَكَانَتِ الْمَسَاكِنُ بِحَيْثُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ تُقَوَّمُ الْمَسَاكِنُ قِيمَةَ التَّعْدِيلِ وَيُجْمَعُ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيَبْقَى نَصِيبُ الْوَرَثَةِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنِ اخْتَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ