الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحَجِّ، وَهِيَ بِئْرٌ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِهَا، وَقِيلَ شَجَرَةٌ جدْبَاءُ صُغِّرَتْ وَسُمِّيَ الْمَكَانُ بِهَا. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: الْحُدَيْبِيَةُ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ أَكْثَرُهَا فِي الْحَرَمِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ لَا يُرِيدُ قِتَالًا وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ ﷺ خَرَجَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ زَادَ سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي الْمَغَازِي، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةَ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ الْإِمَامِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ خَرَجَ ﷺ فِي أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُدْعَى نَاجِيَةَ يَأْتِيهِ بِخَبَرِ قُرَيْشٍ كَذَا سَمَّاهُ نَاجِيَةَ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ نَاجِيَةَ اسْمُ الَّذِي بَعَثَ مَعَهُ الْهَدْيَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الَّذِي بَعَثَهُ عَيْنًا لِخَبَرِ قُرَيْشٍ فَاسْمُهُ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ كَذَا سَمَّاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَسَأَذْكُرُ الْخِلَافَ فِي عَدَدِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ) اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ صَدْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْهُ بِطُولِهِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَقِيَّتُهُ عِنْدَهُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَنَبَّأَنِيهِ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ. فَقَالَ: أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ ﷿ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ: امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ إِلَى هَاهُنَا سَاقَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَزَادَ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَسَاقَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اهـ.
وَهَذَا الْقَدْرُ حَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ لِإِرْسَالِهِ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ اهـ وَغَدِيرٌ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَشْطَاطِ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَطَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ شَطٍّ وَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي كَذَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي ذَرٍّ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَيْضًا: أَتَرَوْنَ أَنْ تمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَتصِيبَهُمْ فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ يَجِيئُوا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ﷺ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ هَلْ يُخَالِفُ الَّذِينَ نَصَرُوا قُرَيْشًا إِلَى مَوَاضِعِهِمْ فَيَسْبِي أَهْلَهُمْ، فَإِنْ جَاءُوا إِلَى نَصْرِهِمُ اشْتَغَلُوا بِهِمْ وَانْفَرَدَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِقُرَيْشٍ، وَذَلِكَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا خَرَجَ لَهُ مِنَ الْعُمْرَةِ حَتَّى يَكُونَ بَدْءُ الْقِتَالِ مِنْهُمْ، فَرَجَعَ إِلَى رَأْيِهِ.
وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ إِلَخْ وَالْأَحَابِيشُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ وَاحِدُهَا أُحْبُوشٌ بِضَمَّتَيْنِ وَهُمْ بَنُو الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ كَانُوا تَحَالَفُوا مَعَ قُرَيْشٍ قِيلَ: تَحْتَ جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَبَشِيُّ أَسْفَلَ مَكَّةَ، وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَحَبُّشِهِمْ أَيْ تَجَمُّعِهِمْ. وَالتَّحَبُّشُ التَّجَمُّعُ، وَالْحُبَاشَةُ الْجَمَاعَةُ. وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ حِلْفِهِمْ مَعَ قُرَيْشٍ كَانَ عَلَى يَدِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، وَاتَّفَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute