الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ أَيْ لَا سَرِقَةَ وَلَا خِيَانَةَ، فَالْإِسْلَالُ مِنَ السَّلَّةِ وَهِيَ السَّرِقَةُ، وَالْإِغْلَالُ الْخِيَانَةُ تَقُولُ: أَغَلَّ الرَّجُلُ أَيْ خَانَ، أَمَّا فِي الْغَنِيمَةِ فَيُقَالُ: غَلَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ سِرًّا وَجَهْرًا، وَقِيلَ الْإِسْلَالُ مِنْ سَلِّ السُّيُوفِ، وَالْإِغْلَالُ مِنْ لُبْسِ الدُّرُوعِ، وَوَهَّاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ: وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَكَ هَذَا فَلَا تَدْخُلُ مَكَّةَ عَلَيْنَا، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْكَ فَدَخَلْتَهَا بِأَصْحَابِكَ فَأَقَمْتَ بِهَا ثَلَاثًا مَعَكَ سِلَاحُ الرَّاكِبِ: السُّيُوفُ فِي الْقِرَبِ، وَلَا تَدْخُلْهَا بِغَيْرِهِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ سَيَأْتِي مِثْلُهَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الْمَغَازِي، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَكْتُبُ الْكِتَابَ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كَيْفَ يُرَدُّ)؟ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ الْمَاضِيَةِ أَوَّلَ الشُّرُوطِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَّا رَدَّهُ وَقَائِلُ ذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عُمَرُ لِمَا سَيَأْتِي، وَسَمَّى الْوَاقِدِيُّ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَانَ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى أَنَّهُ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ إِلَيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إِلَيْنَا فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَزَادَ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ هُنَا، وَلِابْنِ عَائِذٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
فَلَمَّا لَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَمَى رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ رَجُلًا مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، فَتَصَايَحَ الْفَرِيقَانِ، وَارْتَهَنَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ عِنْدَهُمْ، فَارْتَهَنَ الْمُشْرِكُونَ عُثْمَانَ وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَارْتَهَنَ الْمُسْلِمُونَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَمَنْ مَعَهُ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْعَبَهُمُ اللَّهُ، فَأَرْسَلُوا مَنْ كَانَ مُرْتَهَنًا وَدَعَوْا إِلَى الْمُوَادَعَةِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ الْآيَةَ. وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ بَيَانُ مَنْ أَخْرَجَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَوْصُولَةً وَكَيْفِيَّةِ الْبَيْعَةِ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي عَدَدِ مَنْ بَايَعَ وَفِي سَبَبِ الْبَيْعَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلٍ) بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَزْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ اسْمُهُ الْعَاصِي فَتَرَكَهُ لَمَّا أَسْلَمَ، وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَسْلَمَ أَيْضًا قَدِيمًا وَحَضَرَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بَدْرًا فَفَرَّ مِنْهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ كَانَ مَعَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَوَهَمَ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا. وَقَدِ اسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْيَمَامَةِ قَبْلَ أَبِي جَنْدَلٍ بِمُدَّةٍ، وَأَمَّا أَبُو جَنْدَلٍ فَكَانَ حُبِسَ بِمَكَّةَ وَمُنِعَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَعُذِّبَ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَإِنَّ الصَّحِيفَةَ لَتُكْتَبُ إِذْ طَلَعَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، وَكَانَ أَبُوهُ حَبَسَهُ فَأَفْلَتَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَكَانَ سُهَيْلٌ أَوْثَقَهُ وَسَجَنَهُ حِينَ أَسْلَمَ، فَخَرَجَ مِنَ السِّجْنِ وَتَنَكَّبَ الطَّرِيقَ وَرَكِبَ الْجِبَالَ حَتَّى هَبَطَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَتَلَقَّوْهُ.
قَوْلُهُ: (يَرْسُفُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ أَيْ يَمْشِي مَشْيًا بَطِيئًا بِسَبَبِ الْقَيْدِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ فَضَرَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute