للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْحَدِيثَ. فَلَعَلَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَامَ الْفَتْحِ وَمَرَّةً عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَفِي الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنَ الْأَوْلَادِ أَصْلًا، وَفِي الثَّانِيَةِ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَقَطْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنَ النَّبِيِّ وَمِنْ سَعْدٍ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ إِنْ كَانَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ وَهُوَ سَعْدٌ فَفِيهِ الْتِفَاتٌ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ: وَأَنَا أَكْرَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ بِلَفْظِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتُ مِنْهَا كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ على عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ مَاتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمُوتُ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتُ مِنْهَا؟ قَالَ: لَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (قَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ) كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ. فَقَالَ النَّبِيُّ : يَرْحَمُ اللَّهُ سَعْدَ ابْنَ عَفْرَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: ابْنُ عَفْرَاءَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ وَهَمٌ، وَالْمَعْرُوفُ ابْنُ خَوْلَةَ قَالَ: وَلَعَلَّ الْوَهَمُ مِنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ أَحْفَظُ مِنْهُ، وَقَالَ فِيهِ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْتُ آنِفًا مَنْ وَافَقَ الزُّهْرِيَّ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمَغَازِي وَذَكَرُوا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَاتَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي اسْمِهِ خَوْلِيٌّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى سُكُونِ الْوَاوِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ التِّينِ فَحَكَى عَنِ الْقَابِسِيِّ فَتْحَهَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْفَرَائِضِ قَالَ سُفْيَانُ، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ اهـ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ ثُمَّ لِأَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْهُمْ، وَقِيلَ كَانَ مِنَ الْفُرْسِ الَّذِينَ نَزَلُوا الْيَمَنَ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ خَبَرِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ، وَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَجَزَمَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِأَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ مَاتَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ مَاتَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ مَعَ قُرَيْشٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَجَوَّزَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْخِصَالِ الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِابْنِ عَفْرَاءَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مُعَاذٍ، وَمُعَوِّذٍ أَوْلَادِ عَفْرَاءَ وَهِيَ أُمُّهُمْ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِهِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ مَا يُضْحِكُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا، فَأَلْقَى الدِّرْعَ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ قَالَ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا رَأَى اشْتِيَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لِلْمَوْتِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَلِيَ الْوِلَايَاتِ ذَكَرَ ابْنَ عَفْرَاءَ وَحُبَّهُ لِلْمَوْتِ وَرَغْبَتَهُ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا يُذْكَرُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، فَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ هِجْرَتِهِ، وَذَكَرَ ابْنَ عَفْرَاءَ مُسْتَحْسِنًا لِمِيتَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا.

وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى قَوْلِهِ: سَعْدُ ابْنُ عَفْرَاءَ فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَوْفًا وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي الْمَوْتِ، بَلْ فِي بَعْضِهَا عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ: بَكَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتُ مِنْهَا كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَيْضًا فَمَخْرَجُ الْحَدِيثِ مُتَّحِدٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ، فَالِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ لَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عَوْفُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ التَّيْمِيُّ: