للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا: هَلْ يُحْسَبُ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ تَنْفُذُ بِمَا عَلِمَهُ الْمُوصِي دُونَ مَا خفِيَ عَلَيْهِ أَوْ تُجَدِّدَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ؟ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَبِالثَّانِي قَالَ مَالِكٌ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ تَعْدَادَ مِقْدَارِ الْمَالِ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِجِنْسِهِ، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِهِ شَرْطًا لَمَا جَازَ ذَلِكَ.

(فَائِدَةٌ): أَوَّلُ مَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فِي الْإِسْلَامِ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ بِمُهْمَلَاتٍ، أَوْصَى بِهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ، فَقَبِلَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَرَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحَسَنُ) أَيِ الْبَصْرِيُّ (لَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَصِيَّةٌ إِلَّا بِالثُّلُثِ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ كَالْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، قَالَ: وَلِذَلِكَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ وَالَّذِي حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الثُّلُثِ هُوَ الْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَمَنْ تَجَاوَزَ مَا حَدَّهُ فَقَدْ أَتَى مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يُرِدِ الْبُخَارِيُّ هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِشْهَادَ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا وَرَثَتُهُ لَا يَنْفُذُ مِنْ وَصِيَّتِهِ إِلَّا الثُّلُثُ، لِأَنَّا لَا نَحْكُمُ فِيهِمْ إِلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ الْآيَةَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فَإِنَّ قُتَيْبَةَ لَمْ يَلْحَقِ الثَّوْرِيَّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَلَيْسَ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ.

قَوْلُهُ: (لَوْ غَضَّ النَّاسُ) بِمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ نَقَصَ، وَلَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، أَوْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

قَوْلُهُ: (إِلَى الرُّبُعِ) زَادَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْوَصِيَّةِ وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ فِي الْوَصِيَّةِ الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ) هُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا اخْتَارَهُ مِنَ النُّقْصَانِ عَنِ الثُّلُثِ، وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ ﷺ الثُّلُثَ بِالْكَثْرَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ كَإِسْحَاقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ النَّقْصِ عَنِ الثُّلُثِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، لِلنَّوَوِيِّ: إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَلَا.

قَوْلُهُ: (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ بِالشَّكِّ هَلْ هِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ أَوْ بِالْمُثَلَّثَةِ.

٢٧٤٤ - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ ﵁ قَالَ: مَرِضْتُ فَعَادَنِي النَّبِيُّ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا يَرُدَّنِي عَلَى عَقِبِي. قَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ وَيَنْفَعُ بِكَ نَاسًا. قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ وَإِنَّمَا لِي ابْنَةٌ. فقُلْتُ: أُوصِي بِالنِّصْفِ؟ قَالَ: النِّصْفُ كَثِيرٌ. قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ - أَوْ كَبِيرٌ - قَالَ: فَأَوْصَى النَّاسُ بِالثُّلُثِ فجَازَ ذَلِكَ لَهُمْ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ) هُوَ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الْبُخَارِيِّ وَأَكْبَرُ مِنْهُ قَلِيلًا.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مَرْوَانُ) هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ) أَيِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ دَرَجَتَيْنِ، لِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَكِّيٌّ يَرْوِي عَنْ هَاشِمٍ الْمَذْكُورِ، وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ سَعْدٍ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثٌ عَنْ مَكِّيٍّ، عَنْ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ.

قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا يَرُدَّنِي عَلَى عَقِبِي) هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَرَاهِيَةِ الْمَوْتِ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَشَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (لَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ) زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ يَعْنِي يُقِيمُكَ مِنْ مَرَضِكَ.

قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: (قُلْتُ: أُوصِي بِالنِّصْفِ؟ قَالَ: النِّصْفُ كَثِيرٌ) لَمْ أَرَ فِي غَيْرِهَا مِنْ طُرُقِهِ وَصْفَ النِّصْفِ بِالْكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا قَالَ لَا فِي كُلِّهِ، وَلَا فِي ثُلُثَيْهِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِشْكَالٌ إِلَّا مِنْ جِهَةِ وَصْفِ النِّصْفِ بِالْكَثْرَةِ وَوَصْفِ الثُّلُثِ بِالْكَثْرَةِ فَكَيْفَ امْتَنَعَ النِّصْفُ