سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ، عَنْ يُونُسَ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا. وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ مُقْتَصِرًا عَلَى حَمْزَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ مَعْمَرٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى سَالِمٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَجْمَعُهُمَا تَارَةً وَيُفْرِدُ أَحَدَهُمَا أُخْرَى، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: عَنْ سَالِمٍ أَوْ حَمْزَةَ أَوْ كِلَاهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (إِنَّمَا الشُّؤْمُ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُسَهَّلُ فَتَصِيرُ وَاوًا.
قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثٍ) يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ كَائِنٌ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، قَالَ: وَالْحَصْرُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَادَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخِلْقَةِ انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِطُولِ مُلَازَمَتِهَا، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ وَسَائِرُ الرُّوَاةِ بِحَذْفِ إِنَّمَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ مُسْلِمٌ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَا عَدْوَى إِلَّا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، لَكِنْ قَالَ فِيهِ: إِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ الْحَدِيثَ، وَالطِّيَرَةُ وَالشُّؤْمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّؤْمَ وَالطِّيرَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَوَجْهُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَأَعْلَمَهُمْ أَنْ لَا طِيرَةَ، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهَوا بَقِيَتِ الطِّيرَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ.
قُلْتُ: فَمَشَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ تَشَاءَمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا نَزَلَ بِهِ مَا يَكْرَهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ أَكْثَرُ مَا يَتَطَيَّرُ بِهِ النَّاسُ، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ غَيْرَهُ، قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ الْعَسْقَلَانِيِّ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ: ذَكَرُوا الشُّؤْمَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي: وَلِمُسْلِمٍ: إِنْ يَكُ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ وَفِي رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ: إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَزْمِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ خَلَقَ اللَّهُ الشُّؤْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنْ بَعْضِ الْعَادَةِ فَإِنَّمَا يَخْلُقُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: بحمل هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ حَقًّا فَهَذِهِ الثَّلَاثُ أَحَقُّ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ النُّفُوسَ يَقَعُ فِيهَا التَّشَاؤُمُ بِهَذِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَقَعُ بِغَيْرِهَا.
وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ فَقَالَتْ: لَمْ يَحْفَظْ، إِنَّهُ دَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ يَقُولُونَ الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: فَسَمِعَ آخِرَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ. قُلْتُ: وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الطِّيرَةُ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ فَغَضِبَتْ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَتْ: مَا قَالَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى، وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ مُوَافَقَةِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سِيقَ لِبَيَانِ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بِثُبُوتِ ذَلِكَ، وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا يُبْعِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا جَوَابٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يُبْعَثْ لِيُخْبِرَ النَّاسَ عَنْ مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاصِلَةِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَعْتَقِدُوهُ انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute