قَوْلُهُ: (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ سَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ) هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ زَمَانَ السَّهَرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّهَرَ كَانَ قَبْلَ الْقُدُومِ وَالْقَوْلَ بَعْدَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَقَالَ فِيهِ: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقْدِمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً فقال: فَذَكَرَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّهَرَ وَالْقَوْلَ مَعًا كَانَا بَعْدَ الْقُدُومِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَسْهَرُ مِنَ اللَّيْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقُدُومِهِ الْمَدِينَةَ أَوَّلَ قُدُومِهِ إِلَيْهَا مِنَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ إِذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَلَا كَانَ سَعْدٌ أَيْضًا مِمَّنْ سَبَقَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَهِرَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهِيَ إِلَى جَنْبِهِ، قَالَتْ فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ.
قَوْلُهُ: (جِئْتُ لِأَحْرُسَكَ) فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ: وَقْعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (فَنَامَ النَّبِيُّ ﷺ زَادَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّمَنِّي مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخْذُ بِالْحَذَرِ وَالِاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ وَأَنَّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَحْرُسُوا سُلْطَانَهُمْ خَشْيَةَ الْقَتْلِ.
وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ تَبَرَّعَ بِالْخَيْرِ وَتَسْمِيَتُهُ صَالِحًا، وَإِنَّمَا عَانَى النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ مَعَ قُوَّةِ تَوَكُّلِهِ لِلِاسْتِنَانِ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ كَانَ أَمَامَ الْكُلِّ. وَأَيْضًا فَالتَّوَكُّلُ لَا يُنَافِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهِيَ عَمَلُ الْبَدَنِ، وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﵇: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ وَقَالَ ﵊: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: نُسِخَ ذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ ; وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُنَافِي الْحِرَاسَةَ كَمَا أَنَّ إِعْلَامَ اللَّهِ نَصْرَ دِينِهِ وَإِظْهَارَهُ مَا يَمْنَعُ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ وَإِعْدَادِ الْعُدَدِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ الْعِصْمَةُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْإِضْلَالِ أَوْ إِزْهَاقِ الرُّوحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال أبو عبد الله: لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ وَقَالَ: تَعْسًا فكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمْ اللَّهُ طُوبَى فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ وَهِيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ وَهِيَ مِنْ يَطِيبُ.
ثَانِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَوْلُهُ: (وَزَادَ لَنَا عَمْرُو) ابْنُ مَرْزُوقٍ هَكَذَا، وَعَمْرٌو هُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى، وَجَمِيعُ الْإِسْنَادِ سِوَاءٌ مَدَنِيُّونَ، وَفِيهِ تَابِعِيَّانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: تَعِسَ وَانْتَكَسَ إِلَخْ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَسَيَأْتِي مَزِيدًا لِهَذَا فِي التَّمَنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ) الْحَدِيثَ سَيَأْتِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَنَذْكُرُ شَرْحَهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ: طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ الْحَدِيثَ لِقَوْلِهِ: إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ.
قَوْلُهُ: (تَعِسَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَهُوَ ضِدُّ سَعِدَ، تَقُولُ: تَعِسَ فُلَانٌ أَيْ شَقِيَ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّعَسِ الْكَبُّ عَلَى الْوَجْهِ، قَالَ الْخَلِيلُ: التَّعَسُ أَنْ يَعْثُرَ فَلَا يَفِيقُ مِنْ عَثْرَتِهِ، وَقِيلَ: التَّعَسُ الشَّرُّ، وَقِيلَ: الْبُعْدُ، وَقِيلَ: الْهَلَاكُ، وَقِيلَ: التَّعَسُ أَنْ يَخِرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَالنَّكَسُ أَنْ يَخِرَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَقِيلَ: تَعِسَ أَخْطَأَ حُجَّتَهُ وَبُغْيَتَهُ.
وَقَوْلُهُ وَانْتَكَسَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ عَاوَدَهُ الْمَرَضُ، وَقِيلَ: إِذَا سَقَطَ اشْتَغَلَ بِسَقْطَتِهِ حَتَّى يَسْقُطَ أُخْرَى. وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ انْتَكَشَ، بِالْمُعْجَمَةِ وَفَسَّرَهُ بِالرُّجُوعِ، وَجَعَلَهُ دُعَاءً لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ) شِيكَ: بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا كَافٌ، وَانْتَقَشَ: بِالْقَافِ وَالْمُعْجَمَةِ، وَالْمَعْنَى إِذَا أَصَابَتْهُ الشَّوْكَةُ فَلَا وَجَدَ مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْهُ بِالْمِنْقَاشِ، تَقُولُ: نَقَشْتُ الشَّوْكَ إِذَا اسْتَخْرَجْتَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الْقَافِ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ لَكِنْ مَعَ ذِكْرِ الشَّوْكَةِ