للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ.

٢٩٧٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً، وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلَانِ فِي السَّبِيلِ) الْجَعَائِلُ بِالْجِيمِ جَمْعُ جَعِيلَةٍ، وَهِيَ: مَا يَجْعَلُهُ الْقَاعِدُ مِنَ الْأُجْرَةِ لِمَنْ يَغْزُو عَنْهُ، وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ كَالْحَمْلِ، تَقُولُ: حَمَلَ حَمْلًا وَحُمْلَانًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنْ أَخْرَجَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَتَطَوَّعَ بِهِ أَوْ أَعَانَ الْغَازِيَ عَلَى غَزْوِهِ بِفَرَسٍ وَنَحْوِهَا فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ أَوْ فَرَسَهُ فِي الْغَزْوِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَكَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْحِصْنِ، وَكَرِهَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَعَائِلَ، إِلَّا إِنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، وَقَالُوا: إِنْ أَعَانَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا جَازَ، لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ يَأْخُذُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنَ السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَمَنْ فَعَلَهُ وَقَعَ عَنِ الْفَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَى غَيْرِهِ عِوَضًا، انْتَهَى.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يُمَتِّعُ الْقَاعِدُ الْغَازِيَ بِمَا شَاءَ، فَأَمَّا أَنَّهُ يَبِيعُ غَزْوَهُ فَلَا، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْجَعَائِلِ فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: أَرَى الْغَازِيَ يَبِيعُ غَزْوَهُ، وَالْجَاعِلَ يَفِرُّ مِنْ غَزْوِهِ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى الْخِلَافِ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْغَازِي: هَلْ يَسْتَحِقُّهُ بِسَبَبِ الْغَزْوِ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ يَمْلِكُهُ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: الْغَزْوَ) هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالتَّقْدِيرُ: عَلَيْكَ الْغَزْوَ، أَوْ عَلَى حَذْفِ فِعْلٍ أَيْ: أُرِيدُ الْغَزْوَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَتَغْزُو؟ بِالِاسْتِفْهَامِ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ بِمَعْنَاهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ، وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مُرَادِ ابْنِ عُمَرَ بِالْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ سِيرِينَ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِعَانَةُ الْغَازِي.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قُرَّةَ قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ نَاسًا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقُمْتُ إِلَى أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثْتُهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: صَدَقَ، جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بِذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِمَعْنَاهُ عَنْهُمَا.

ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ؛ أَحَدُهَا: حَدِيثُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْفَرَسِ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْهِبَةِ.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْغَزْوِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ.

وَوَجْهُ دُخُولِ قِصَّةِ فَرَسِ عُمَرَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّبِيَّ أَقَرَّ الْمَحْمُولَ عَلَيْهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى تَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ طَاوُسٌ مِنْ أَنَّ لِلْآخِذِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَأْخُوذِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كُلُّ مَنْ أَخَذَ مَالًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَهْمَلَ الْعَمَلَ يَرُدُّ مَا أَخَذَ، وَكَذَا الْأَخْذُ عَلَى عَمَلٍ لَا يَتَأَهَّلُ لَهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: مَنْ أَعَانَ بِشَيْءٍ فِي الْغَزْوِ فَإِنَّهُ لِلَّذِي يُعْطَاهُ إِذَا بَلَغَ