حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ: رَأَيْتُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَفْرَاءَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَرَوَى أَبُو يَعْلَى، عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَ أُمَّتِي بِالْأَلْوِيَةِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى رَايَتِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَسَنَدُهُ وَاهٍ. وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ رَايَةٌ تُسَمَّى الْعِقَابَ سَوْدَاءُ مُرَبَّعَةٌ، وَرَايَةٌ تُسَمَّى الرَّايَةَ الْبَيْضَاءَ، وَرُبَّمَا جُعِلَ فِيهَا شَيْءٌ أَسْوَدُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا:
قَوْلُهُ: (عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ فِي الْغَزْوِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ) أَيْ: ابْنَ عُبَادَةَ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ صَاحِبُ لِوَاءِ النَّبِيِّ ﷺ أَيِ: الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْخَزْرَجِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَغَازِيهِ يَدْفَعُ إِلَى رَأْسِ كُلِّ قَبِيلَةٍ لِوَاءً يُقَاتِلُونَ تَحْتَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ تَكُونُ مَعَ عَلِيٍّ، وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَهَا بِالْمُهْمَلَةِ، وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ م نْهُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ النَّبَوِيِّ وَلَا يَتَقَرَّرُ فِي ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَرْفُوعُ مِنَ الْحَدِيثِ تَامًّا وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ هُنَا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَدِيثَ تَامًّا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ مِنْهَا فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ فَقَامَ غُلَامٌ لَهُ فَقَلَّدَ هَدْيَهُ، فَنَظَرَ قَيْسٌ هَدْيَهُ وَقَدْ قُلِّدَ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يُرَجِّلْ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ بِتَمَامِهِ نَحْوَهُ، وَفِي ذَلِكَ مَصِيرٌ مِنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُرِيدُ الْإِحْرَامَ إِذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ يَدْخُلُ فِي حُكْمِ الْمُحْرِمِ. وَقَرَأْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ بَعْضَ الشَّارِحِينَ تَحَيَّرَ فِي شَرْحِ الْقَدْرِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَتَكَلَّفَ لَهُ وُجُوهًا عَجِيبَةً، فَلْيُنْظَرِ الْمُرَادُ بِالشَّارِحِ الْمَذْكُورِ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَا نَقَلَهُ الْمُتَأَخِّرُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ وَأَبْهَمَ الشَّارِحَ الَّذِي تَحَيَّرَ وَقَالَ: إِنَّهُ حَمَّلَ الْكَلَامَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ. وَذَكَرَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
ثَانِيهَا: حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الرَّايَةَ لَمْ تَكُنْ خَاصَّةً بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ كَانَ يُعْطِيهَا فِي كُلِّ غَزْوَةٍ لِمَنْ يُرِيدُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ: إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الرَّايَةَ وَاللِّوَاءَ سَوَاءٌ.
ثَالِثُهَا: حَدِيثُ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ - أَيِ ابْنَ عَبْدِ الْمُطَلِّبِ - يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ أَيِ: ابْنِ الْعَوَّامِ: هَاهُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُرْكِزَ الرَّايَةَ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، وَأُبَيِّنُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي سِيَاقِهِ مِنْ صُورَةِ الْإِرْسَالِ وَالْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ، وَأُبَيِّنُ تَعْيِينَ الْمَكَانَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ الْحَجُونَ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ الْخَفِيفَةِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَمِّرُ عَلَى الْجَيْشِ مَنْ يُوثَقُ بِقُوَّتِهِ وَبَصِيرَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الرَّايَةَ لَا تُرْكَزُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى مَكَانِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا إِلَّا بِأَمْرِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْأَلْوِيَةِ فِي الْحَرْبِ. وَأَنَّ اللِّوَاءَ يَكُونُ مَعَ الْأَمِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute