عَنْهُ "أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ. فَقال النبي ﷺ: بِالْفَارِسِيَّةِ "كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ: بِلِسَانِ الْفُرْسِ، قِيلَ: إِنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى فَارِسَ بْنِ كَوْمَرَثَ، وَاخْتُلِفَ فِي كَوْمَرَثَ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَقِيلَ: مِنْ ذُرِّيَّةِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَلَدُ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ آدَمُ نَفْسُهُ، وَقِيلَ لَهُمُ الْفُرْسُ؛ لِأَنَّ جَدَّهُمُ الْأَعْلَى وُلِدَ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلَدًا، كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ شُجَاعًا فَارِسًا، فَسُمُّوا الْفُرْسَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَخْتَصُّ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ﵉ أَوَّلُ مَنْ ذُلِّلَتْ لَهُ الْخَيْلُ، وَالْفُرُوسِيَّةُ تَرْجِعُ إِلَى الْفَرَسِ مِنَ الْخَيْلِ، وَأُمَّةُ الْفُرْسِ كَانَتْ مَوْجُودَةً.
قَوْلُهُ: (وَالرِّطَانَةُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، هُوَ كَلَامُ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ، قَالُوا: فِقْهُ هَذَا الْبَابِ يَظْهَرُ فِي تَأْمِينِ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْجِزْيَةِ فِي بَابِ إِذَا قَالُوا: صَبَأْنَا، وَلَمْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ كَانَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَالْآخَرَانِ بِالتَّبَعِيَّةِ، كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَالَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَقْرَبُ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ ﷿: ﴿وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ وَقَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْرِفُ الْأَلْسِنَةَ؛ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهِمْ، فَجَمِيعُ الْأُمَمِ قَوْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُومِ رِسَالَتِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَعْرِفَ أَلْسِنَتَهُمْ؛ لِيفْهَمَ عَنْهُمْ وَيَفْهَمُوا عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نُطْقَهُ بِجَمِيعِ الْأَلْسِنَةِ؛ لِإِمْكَانِ التَّرْجُمَانِ الْمَوْثُوقِ بِهِ عِنْدَهُمْ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الَّذِي صَنَعَهُ بِالْخَنْدَقِ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَعَ شَرْحِهِ فِي الْمَغَازِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ أَنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا، وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: السُّورُ بِغَيْرِ هَمْزٍ: الصَّنِيعُ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ، وَقِيلَ: الطَّعَامُ مُطْلَقًا، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقِيلَ: بِالْحَبَشِيَّةِ، وَبِالْهَمْزِ بَقِيَّةُ الشَّيْءِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: السُّورُ كَلِمَةٌ بِالْفَارِسِيَّةِ. قِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ هُوَ الْفَضْلَةُ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ فَضَلَ ذَلِكَ مِنْهُ، إِنَّمَا هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ مَنْ أَتَى دَعْوَةً. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى ضَعْفِ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي كَرَاهَةِ الْكَلَامِ بِالْفَارِسِيَّةِ كَحَدِيثِ كَلَامِ أَهْلِ النَّارِ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَكَحَدِيثِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ زَادَتْ فِي خُبْثِهِ، وَنَقَصَتْ مِنْ مُرُوءَتِهِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَنَدُهُ وَاهٍ، وَأَخْرَجَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ رَفَعَهُ: مَنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَلَا يَتَكَلَّمْنَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ النِّفَاقَ. الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ وَاهٍ أَيْضًا.
عَنْهُ "أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ. فَقال النبي ﷺ: بِالْفَارِسِيَّةِ "كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".
ثَانِيهَا حَدِيثُ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ، وَسَيَأْتِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي اللِّبَاسِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ: سَنَهْ سَنَهْ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: سَنَاهْ بِزِيَادَةِ أَلْفٍ، وَالْهَاءُ فِيهِمَا لِلسَّكْتِ وَقَدْ تُحْذَفُ، قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ: هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ، وَشَدَّدَهَا الْبَاقُونَ، وَهِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لِلْجَمِيعِ إِلَّا الْقَابِسِيَّ فَكَسَرَهُ.
قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ) أَيْ: ذَكَرَ الرَّاوِي مِنْ بَقَائِهَا أَمَدًا طَوِيلًا، وَفِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ وَغَيْرِهَا حَتَّى ذَكَرَتْ وَلِبَعْضِهِمْ: حَتَّى دَكَنَ بِمُهْمَلَةٍ وَآخِرُهُ نُونٌ، أَيِ: اتَّسَخَ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَدَبِ. وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ: (لَمْ تَعِشِ امْرَأَةٌ مِثْلَ مَا عَاشَتْ هَذِهِ - يَعْنِي أُمَّ خَالِدٍ -). قُلْتُ: وَإِدْرَاكُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ دَالٌّ عَلَى طُولِ عُمُرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهَا.
(تَنْبِيهٌ):
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ شَيْخُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، هُوَ خَالِدُ