للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَوَاءٌ حَضَرَ الْقِتَالَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ، وَهَلْ كَانَ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَمَالَ الْبُخَارِيُّ إِلَى الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَا حُجَّةَ لِمَنِ ادَّعَى أَنَّ الْخُمُسَ يَمْلِكُهُ النَّبِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ فَرْضِ الْخُمُسِ كَانَ يُعْطِي الْغَنِيمَةَ لِلْغَانِمِينَ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَلَمَّا فُرِضَ الْخُمُسُ تَبَيَّنَ لِلْغَانِمِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ، وَإِنَّمَا خُصَّ النَّبِيُّ بِنِسْبَةِ الْخُمُسِ إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَانِمِينَ فِيهِ حَقٌّ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِهِ، وَكَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ بَعْدَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّهِ، لِلتَّبَرُّكِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، ثُمَّ السَّهْمُ الْأَوَّلُ يُقْسَمُ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ لِلَّهِ، وَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِسْمُ الرَّسُولِ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَيَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ يَرَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي) لَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ: أَمَّا حَدِيثُ: إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ فَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بِلَفْظِ: وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ: إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي فَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ، وَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الِاعْتِصَامِ بِهَذَا اللَّفْظِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ جَابِرٍ ذَكَرَهُ مِنْ طُرُقٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ سُلَيْمَانَ) هُوَ الْأَعْمَشُ، وَبَيَّنَ الْبُخَارِيُّ الِاخْتِلَافَ عَلَى شُعْبَةَ: هَلْ أَرَادَ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ يُسَمِّيَ ابْنَهُ مُحَمَّدًا أَوِ الْقَاسِمَ، وَأَشَارَ إِلَى تَرَجُّحِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ بِرِوَايَةِ سُفْيَانَ - وَهُوَ الثَّوْرِيُّ - لَهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، وَيَتَرَجَّحُ أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ الْإِنْكَارُ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَيْهِ إِلَّا حَيْثُ لَزِمَ مِنْ تَسْمِيَةِ وَلَدِهِ الْقَاسِمَ أَنْ يَصِيرَ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي) هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ، بِخِلَافِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ حُصَيْنٌ: بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ) هُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ أَيْضًا، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَطَرِيقُهُ هَذِهِ وَصَلَهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، وَكَأَنَّ شُعْبَةَ كَانَ تَارَةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَتَارَةً يَجْمَعُهُمْ وَيَفْصِلُ أَلْفَاظَهُمْ، وَقَوْلُهُ: لَا تَكَنَّوْا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَلَا تَكَنَّوْا بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ.

وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ: لَا نُكَنِّيكَ وَلَا نُنَعِّمْكَ عَيْنًا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَا نُنَعِّمْكَ عَيْنًا لَا نُكْرِمْكَ، وَلَا تَقَرُّ عَيْنُكَ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنَ الزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِأَنْصَارِيٍّ: سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ.

الثَّانِي حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ صَدْرِهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَيَأْتِي شَرْحُ الْأَخِيرِ مِنْهُ فِي الِاعْتِصَامِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

قَوْلُهُ: (مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ فُلَيْحٍ فِي أَوَّلِهِ: وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَالْمَعْنَى لَا أَتَصَرَّفُ فِيكُمْ بِعَطِيَّةٍ وَلَا مَنْعٍ بِرَأْيِي، وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا أَنَا الْقَاسِمُ، أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ أَيْ: لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِنْ أَنَا إِلَّا خَازِنٌ.

الرَّابِعُ:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) زَادَ الْمُسْتَمْلِي: ابْنَ أَبِي أَيُّوبَ