للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَعْبٍ سَبَبَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْقَرْيَةِ وَقْتَ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَكَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ وَيَدْخُلَ اللَّيْلُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَنَا مَأْمُورٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَأْمُورِينَ أَنَّ أَمْرَ الْجَمَادَاتِ أَمْرُ تَسْخِيرٍ وَأَمْرَ الْعُقَلَاءِ أَمْرُ تَكْلِيفٍ، وَخِطَابُهُ لِلشَّمْسِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِيهَا تَمْيِيزًا وَإِدْرَاكًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْفِتَنِ فِي سُجُودِهَا تَحْتَ الْعَرْشِ وَاسْتِئْذَانِهَا مِنْ أَنْ تَطْلُعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اسْتِحْضَارِهِ فِي النَّفْسِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحَوُّلُهَا عَنْ عَادَتِهَا إِلَّا بِخَرْقِ الْعَادَةِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ احْبِسْهَا وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَإِنِّي مَأْمُورٌ فَاحْبِسْهَا عَلَيَّ حَتَّى تَقْضِيَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ، أَيْ قَدْرَ مَا تَنْقَضِي حَاجَتُنَا مِنْ فَتْحِ الْبَلَدِ، قَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي حَبْسِ الشَّمْسِ هُنَا، فَقِيلَ رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجِهَا، وَقِيلَ وُقِفَتْ، وَقِيلَ بُطِّئَتْ حَرَكَتُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَالثَّالِثُ أَرْجَحُ عِنْدَ ابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ. وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ هَارُونَ بْنِ يُوسُفَ الرَّمَادِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَابِعَ عَشَرَى حُزَيْرَانَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّهَارُ فِي غَايَةِ الطُّولِ

قَوْلُهُ: (فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى فَوَاقَعَ الْقَوْمَ فَظَفِرَ.

قَوْلُهُ: (فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتِ النَّارُ زَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَكَانُوا إِذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا النَّارَ فَتَأْكُلُهَا.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ تَطْعَمْهَا) أَيْ لَمْ تَذُقْ لَهَا طَعْمًا، وَهُوَ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ

قَوْلُهُ: (فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا) هُوَ السَّرِقَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ) فِيهِ حَذْفٌ يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَيْ فَبَايَعُوهُ فَلَزِقَتْ

قَوْلُهُ: (فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَجُلَانِ بِالْجَزْمِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: جَعَلَ اللَّهُ عَلَامَةَ الْغُلُولِ إِلْزَاقَ يَدِ الْغَالِّ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهَا يَدٌ عَلَيْهَا حَقٌّ يُطْلَبُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ، أَوْ أَنَّهَا يَدٌ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهَا وَيُحْبَسَ صَاحِبُهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إِلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ شَهَادَةِ الْيَدِ عَلَى صَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ: (فِيكُمُ الْغُلُولُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَا أَجَلْ غَلَلْنَا.

قَوْلُهُ: (فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَنَا الْغَنَائِمَ رَحْمَةً رَحِمَنَاهَا وَتَخْفِيفًا خَفَّفَهُ عَنَّا

قَوْلُهُ: (رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا) فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ لَمَّا رَأَى مِنْ ضَعْفِنَا وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ إِظْهَارَ الْعَجْزِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَوْجِبُ ثُبُوتَ الْفَضْلِ، وَفِيهِ اخْتِصَاصُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَائِلِ فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ خُمِّسَتْ غَنِيمَةُ السَّرِيَّةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ ﷺ أَخَّرَ غَنِيمَةَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَّمَهَا مَعَ غَنَائِمِ بَدْرٍ.

قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِتَنَ الدُّنْيَا تَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْهَلَعِ وَمَحَبَّةِ الْبَقَاءِ، لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ عَلَى قُرْبٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَيَجِدُ الشَّيْطَانُ السَّبِيلَ إِلَى شَغْلِ قَلْبِهِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الطَّاعَةِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ تَقَدَّمَ مَا يُعَكِّرُ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بِمَا قَبْلَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الرُّجُوعِ، وَفِيهِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَوَّضَ