تَبْخَلُ عَنِّي مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ" قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ قَالَ فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ". وَقَالَ يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ.
٣١٣٨ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ اعْدِلْ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ".
قَوْلُهُ: (بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (وَمِنَ الدَّلِيلِ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ حَيْثُ قَالَ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ هُنَا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ بَعْدَ بَابٍ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلْإِمَامِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ التَّرَاجِمِ أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَعَ تَوَلِّي قِسْمَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ، وَالْحُكْمُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ يَتَوَلَّى الْإِمَامُ مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ، هَذَا مُحَصَّلُ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَتَبْيِينُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ تَرْجَمَةٍ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْخُمُسَ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ النَّبِيِّ ﷺ وَدُونَ الْإِمَامِ وَلَا لِلنَّبِيِّ ﷺ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا لِلْإِمَامِ، فَالتَّوْجِيهُ الْأَوَّلُ هُوَ اللَّائِقُ، وَقَدْ أَشَارَ الْكِرْمَانِيُّ أَيْضًا إِلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا فَقَالَ: لَا تَفَاوُتَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إِذْ نَوَائِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَوَائِبُ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ لَهُ وَلِلْإِمَامِ بَعْدَهُ.
قُلْتُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: ظَاهِرُ لَفْظِ التَّرَاجِمِ التَّخَالُفُ، وَيَرْتَفِعُ بِالنَّظَرِ فِي الْمَعْنَى إِلَى التَّوَافُقِ، وَحَاصِلُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُخَالَفَةِ الْخُمُسُ يُؤْخَذُ مِنْ سَهْمِ اللَّهِ ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي خَمْسَةً كَمَا فِي الْآيَةِ.
الثَّانِي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خُمُسُ الْخُمُسِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَرْبَعَةٌ لِلْمَذْكُورِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَرُدُّ سَهْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَلَا يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا. الثَّالِثُ قَوْلُ زَيْنِ الْعَابِدِينَ: الْخُمُسُ كُلُّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَالْمُرَادُ بِالْيَتَامَى يَتَامَى ذَوِي الْقُرْبَى وَكَذَلِكَ الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ، لَكِنَّ السَّنَدَ إِلَيْهِ وَاهٍ. الرَّابِعُ هُوَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَخُمُسُهُ لِخَاصَّتِهِ وَبَاقِيهِ لِتَصَرُّفِهِ. الْخَامِسُ هُوَ لِلْإِمَامِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْفَيْءِ. السَّادِسُ يُرْصَدُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. السَّابِعُ يَكُونُ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ لِذَوِي الْقُرْبَى وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُمْ فِي الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ ﷺ بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) هَوَازِنُ فَاعِلٌ، وَالْمُرَادُ الْقَبِيلَةُ وَأَطْلَقَهَا عَلَى بَعْضِهِمْ مَجَازًا، وَالنَّبِيَّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَقَوْلُهُ بِرَضَاعِهِ أَيْ بِسَبَبِ رَضَاعِهِ، لِأَنَّ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةَ مُرْضِعَتَهُ كَانَتْ مِنْهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّةَ سُؤَالِ هَوَازِنَ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ مَوْصُولَةً، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِذِكْرِ الرَّضَاعِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً وَفِيهَا شِعْرُ زُهَيْرِ بْنِ صُرَدَ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا … إِذْ فُوكُ يَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدُّرَرُ
وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا فِي سِيَاقِهِ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمِسْوَرِ فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَقَدَّمَ شَرْحُ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ وَالْأَنْفَالِ مِنَ الْخُمُسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute