ﷺ مِنَ الْمَجُوسِ فَدَلَّ عَلَى إِلْحَاقِهِمْ بِهِمْ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَبَتَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْكِتَابِ وَعَلَى الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ، وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ فَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوا وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ أَخْذَهَا مِنَ الْمَجُوسِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ مَفْهُومِ الْآيَةِ، فَلَمَّا انْتَفَى تَخْصِيصُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجُوسَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ ثُمَّ رُفِعَ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ عَلِيٍّ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ ذِكْرُهُ.
وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ وَهُمْ قُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مَنْ لَهُ كِتَابٌ إِلَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَفْيُ بَقِيَّةِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ كَالزَّبُورِ وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إِلَخْ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِهِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ إِلَخْ، وَأَشَارَ بِهَذَا الْأَثَرِ إِلَى جَوَازِ التَّفَاوُتِ فِي الْجِزْيَةِ، وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ، وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالْفَقِيرِ، وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَعَلَيْهِ دِينَارَانِ وَعَلَى الْغَنِيِّ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَثَرِ مُجَاهِدٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُمَرَ، وَعِنْد الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَ حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْهُمْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَهَذَا عَلَى حِسَابِ الدِّينَارِ بِاثْنَيْ عَشَرَ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَيُنْقَصُ مِنْهَا عَمَّنْ لَا يُطِيقُ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ عَلَى حِسَابِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَدْرُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ دِينَارٌ، وَفِيهِ حَدِيثُ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَخْذِهَا مِنَ الصَّبِيِّ فَالْجُمْهُورُ لَا عَلَى مَفْهُومِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَكَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ شَيْخٍ فَانٍ وَلَا زَمِنٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَاجِزٍ عَنِ الْكَسْبِ وَلَا أَجِيرٍ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ فِي قَوْلٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْوُجُوبُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ آخِرًا.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ يَشْتَمِلُ الْأَخِيرُ عَلَى حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ عَمْرًا) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْبَصْرِيُّ (وَعَمْرُو بْنُ أَوْسٍ) هُوَ الثَّقَفِيُّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُ رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْحَجِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي التَّهَجُّدِ، وَلَيْسَتْ لَهُ هُنَا رِوَايَةٌ، بَلْ ذَكَرَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِيُبَيِّنَ أَنَّ بَجَالَةَ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالتَّحَدُّثِ وَإِنَّمَا حَدَّثَ غَيْرَهُ فَسَمِعَهُ هُوَ، وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَسُوغُ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنَا؟ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ، وَمَنَعَ مِنْهُ النَّسَائِيُّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ: يَقُولُ سَمِعْتُ فُلَانًا.
قَوْلُهُ: (فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ الْخَفِيفَةِ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ كَبِيرٌ تَمِيمِيٌّ بَصْرِيٌّ وَهُوَ ابْنُ عَبَدَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَيُقَالُ فِيهِ عَبْدٌ بِالسُّكُونِ بِلَا هَاءٍ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ: (عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ) أَيْ وَحَجَّ حِينَئِذٍ بَجَالَةُ مَعَهُ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَكَانَ مُصْعَبُ أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ مِنْ قِبَلِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَقُتِلَ مُصْعَبٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ هَكَذَا يَقُولهُ الْمُحَدِّثُونَ، وَضَبَطَهُ أَهْلُ النَّسَبِ بِكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ. وَمَنْ قَالَهُ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ فَقَدْ صَحَّفَ. وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ عُبَادَةَ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ، عَمُّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ. وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ. وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى الْأَهْوَازِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى تَنَادُرَ