للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ: وَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ، فَهَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ: لَوْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ لَرُفِعَ حُكْمُهُ وَلَمَا اسْتَثْنَى حِلَّ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ تَبَعًا لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَقْتَضِي حَقْنَ الدَّمِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ تَحْرِيمُ نِسَائِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ قَدْ يَغِيبُ عَنْهُ عِلْمُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ وَأَحْكَامِهِ، وَأَنَّهُ لَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَهْلِ الْكِتَابِ اخْتِصَاصَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِإِلْحَاقِ الْمَجُوسِ بِهِمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ.

ثَانِيهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.

قَوْلُهُ: (الْأَنْصَارِيُّ) الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ هُنَا وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَصَفَهُ بِالْأَنْصَارِيِّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَنَزَلَ مَكَّةَ وَحَالَفَ بَعْضَ أَهْلِهَا فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ أَنْصَارِيًّا مُهَاجِرِيًّا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ لَفْظَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَهْمٌ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ عَنْهُ بِدُونِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ بَدْرٍ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ عُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ بِالتَّصْغِيرِ، وَسَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِغَيْرِ تَصْغِيرٍ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يُقَالُ فِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَالصَّوَابُ الْوَحْدَةُ.

قَوْلُهُ: (بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ) أَيِ الْبَلَدِ الْمَشْهُورِ بِالْعِرَاقِ، وَهِيَ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَهَجَرَ، وَقَوْلُهُ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا أَيْ بِجِزْيَةِ أَهْلِهَا، وَكَانَ غَالِبُ أَهْلِهَا إِذْ ذَاكَ الْمَجُوسَ، فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ النَّبيَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ بِالْجِعِرَّانَةِ أَرْسَلَ الْعَلَاءَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى عَامِلِ الْبَحْرَيْنِ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَصَالَحَ مَجُوسَ تِلْكَ الْبِلَادِ عَلَى الْجِزْيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ النَّبِيُّ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ) كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ فَقَدِمَ مَكَّةَ فَخَالَفَ بِهَا بَنِي مَخْزُومٍ، وَقِيلَ: كَانَ اسْمُ الْحَضْرَمِيِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زهرمز، وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ أَنَّ كِسْرَى لَمَّا أَغَارَ بَنُو تَمِيمٍ وَبَنُو شَيْبَانَ عَلَى مَالِهِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرًا عَلَيْهِمْ زَهْرَمْزُ فَكَانَتْ وَقْعَةُ ذِي قَارٍ فَقَتَلُوا الْفُرْسَ وَأَسَرُوا أَمِيرَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ صَخْرُ بْنُ رَزِينٍ الدَّيْلِيُّ فَسَرَقَهُ مِنْهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَتَبِعَهُ صَخْرٌ حَتَّى افْتَدَاهُ مِنْهُ فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، وَكَانَ صَنَّاعًا فَعُتِقَ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَوُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ نُجَبَاءُ وَتَزَوَّجَ أَبُو سُفْيَانَ ابْنَتَهُ الصَّعْبَةَ فَصَارَتْ دَعْوَاهُمْ فِي آلِ حَرْبٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَالِدُ طَلْحَةَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ طَلْحَةَ.

قَالَ وَقَالَ غَيْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ كُلْثُومَ بْنَ رَزِينٍ أَوْ أَخَاهُ الْأَسْوَدَ خَرَجَ تَاجِرًا فَرَأَى بِحَضْرَمَوْتَ عَبْدًا فَارِسًا نَجَّارًا يُقَالُ لَهُ زَهْرَمْزُ، فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَكَانَ حِمْيَرِيًّا يُكَنَّى أَبَا رِفَاعَةَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ فَصَارَ يُقَالُ لَهُ الْحَضْرَمِيُّ حَتَّى غَلَبَ عَلَى اسْمِهِ، فَجَاوَرَ أَبَا سُفْيَانَ وَانْقَطَعَ إِلَيْهِ، وَكَانَ آلُ رَزِينٍ حُلَفَاءَ لِحَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَسْلَمَ الْعَلَاءُ قَدِيمًا وَمَاتَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالْعَلَاءُ بِالْيَمَنِ وَعَمْرُو بْنُ عَوْفٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ .

قَوْلُهُ: (فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَقَدْرُهُ وَقِصَّةُ الْعَبَّاسِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ هُنَا أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَقَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ