للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَبَّاسٍ مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ وَجَعُهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: مَا لَهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ. فَقَالَ: ذَرُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ. فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَالثَّالِثَةُ إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا، وَإِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فِي بَابِ هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَلَفْظُهُ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ فَيَكُونُ إِخْرَاجُ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ عَنِ النَّبِيِّ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ أَهْلِ خَيْبَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ:

أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ لِلْيَهُودِ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا وَسَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ وَفِي الِاعْتِصَامِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِنَسَبِ الْيَهُودِ الْمَذْكُورِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ بَقَايَا مِنَ الْيَهُودِ تَأَخَّرُوا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ إجْلَاءِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَالْفَرَاغِ مِنْ أَمْرِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَغَازِي، وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا فِي الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْتَمَرُّوا إِلَى أَنْ أَجَلَاهُمْ عُمَرُ، وَيُحْتَمَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ مَا بَقِيَ مِنْ خَيْبَرَ هَمَّ بِإِجْلَاءِ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ صَالَحَ مِنَ الْيَهُودِ ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُبْقِيَهُمْ لِيَعْمَلُوا فِي الْأَرْضِ فَبَقَّاهُمْ، أَوْ كَانَ قَدْ بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْيَهُودِ الْمَذْكُورِينَ طَائِفَةٌ اسْتَمَرُّوا فِيهَا مُعْتَمِدِينَ عَلَى الرِّضَا بِإِبْقَائِهِمْ لِلْعَمَلِ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ ثُمَّ مَنَعَهُمُ النَّبِيُّ مِنْ سُكْنَى الْمَدِينَةِ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، بَلْ سِيَاقُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ بَنُو النَّضِيرِ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى مَجِيءِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ ، وَبَيْتُ الْمِدْرَاسِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يُدْرَسُ فِيهِ كِتَابُهُمْ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْمِدْرَاسِ

الْعَالِمُ الَّذِي يَدْرُسُ كِتَابَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَتَّى أَتَى الْمِدْرَاسَ وَقَوْلُهُ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا مِنَ الْجِنَاسِ الْحَسَنِ لِسُهُولَةِ لَفْظِهِ وَعَدَمِ تَكَلُّفِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي كِتَابِ هِرَقْلَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَقَوْلُهُ: اعْلَمُوا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّهُمْ قَالُوا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا: لِمَ قُلْتَ هَذَا وَكَرَّرْتَهُ؟ فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ سَلِمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّا هُوَ أَشَقُّ مِنْهُ. وَقَوْلُهُمْ: قَدْ بَلَّغْتُ (١) كَلِمَةَ مَكْرٍ وَمُدَاجَاةٍ لِيُدَافِعُوهُ بِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ أُرِيدُ أَيِ التَّبْلِيغَ.

قَوْلُهُ: (فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ) مِنَ الْوِجْدَانِ أَيْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا، أَوْ مِنَ الْوَجْدِ أَيِ الْمَحَبَّةِ أَيْ يُحِبُّهُ، وَالْغَرَضُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ فِرَاقُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مِمَّا يَعْسُرُ تَحْوِيلُهُ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ.

ثَانِيهمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا قَالَ النَّبِيُّ عِنْدَ وَفَاتِهِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ) مُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ سَلَامٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ،


(١) في هامش طبعة بولاق: وقولهم: "قد بلغت" وقوله بعده: "ذلك أريد" كذا في نسخ الشرح التي بأيدينا، وليس في نسخ البخاري شيء من ذلك، فلعلها رواية وقعت له فكتب عليها.