للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ، فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ، فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدْ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي.

ثُمَّ انْطَلَقَ، حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ إِدْرِيسَ) سَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْحَفْصِيِّ وَهُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ وَقِيلَ: جَدُّ نُوحٍ. قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنَ الثَّانِي مَا تَقَدَّمَ، وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَطْلَقَ ذَلِكَ مَجَازًا لِأَنَّ جَدَّ الْأَبِ جَدٌّ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ جَدٌّ لِنُوحٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ إِدْرِيسُ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، لَا أَنَّ نُوحًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ - إِلَى أن قال - ﴿وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِلْيَاسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ - لِنُوحٍ أَوْ لِإِبْرَاهِيمَ، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، فَمَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ لَا مَحَالَةَ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ ابْنُ نُسَيِّ بْنِ فَنُحَاصَ بْنِ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ وَهْبٌ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّ إِلْيَاسَ عَمَّرَ كَمَا عَمَّرَ الْخَضِرُ، وَأَنَّهُ يَبْقَى إِلَى آخِرِ الدُّنْيَا فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ إِلْيَاسَ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ وَأَكَلَا جَمِيعًا، وَأَنَّ طُولَهُ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْكُلُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْرَدَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ الْبَلَوِيِّ وَقَالَ: إِنَّهُ خَبَرٌ بَاطِلٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا وَقَعَ فِيهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ مَكَانٌ عَلِيٌّ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَرْفَعُ مَكَانًا مِنْهُ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى السَّمَاءِ م نْ هُوَ حَيٌّ غَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عِيسَى أَيْضًا قَدْ رُفِعَ وَهُوَ حَيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَوْنُ إِدْرِيسَ رُفِعَ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ مَرْفُوعَةٍ قَوِيَّةٍ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ أَنَّ إِدْرِيسَ سَأَلَ صَدِيقًا لَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَحَمَلَهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ تَلَقَّاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ تُعْلِمَنِي كَمْ بَقِيَ مِنْ أَجَلِ إِدْرِيسَ، قَالَ: وَأَيْنَ إِدْرِيسُ؟ قَالَ: هُوَ مَعِي، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، أُمِرْتُ بِأَنْ أَقْبِضَ رُوحَهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾. وَهَذه مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ إِدْرِيسَ رُفِعَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ نَبِيًّا رَسُولًا وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ لَهُ أَوَّلِيَّاتٍ كَثِيرَةً، مِنْهَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَاطَ الثِّيَابَ.

(تَنْبِيهٌ):

وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ عَبْدَانُ وَفِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَصَلَهُ أَيْضًا الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ عَبْدَانُ بِهِ.