حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْزِلُونَ الرَّمْلَ بِأَرْضِ الشَّحْرِ وَمَا وَالَاهَا، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَبِيلَةً يُنْزِلُونَ الرَّمْلَ بِالدَّوِّ وَالدَّهْنَاءِ وَعَالِجَ وَوِبَارَ وَعَمَّانَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، وَكَانَتْ دِيَارُهُمْ أَخْصَبَ الْبِلَادِ وَأَكْثَرَهَا جِنَانًا، فَلَمَّا سَخِطَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَيْهِمْ جَعَلَهَا مَفَاوِزَ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ عَطَاءٌ، وَسُلَيْمَانُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهَى، أَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ ذِكْرِ الرِّيحِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَأَوَّلُهُ كَانَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَفِي آخِرِهِ وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ الْآيَةَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ يَسَارٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ، وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وقَوْلُ اللَّهِ ﷿ ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ - شَدِيدَةٍ - ﴿عَاتِيَةٍ﴾ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الْخَزَّانِ) أَمَّا تَفْسِيرُ الصَّرْصَرِ بِالشَّدِيدَةِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَرُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِهِ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ: عَاتِيَةٍ قَالَ: عَتَتْ عَلَى الْخَزَّانِ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا إِلَّا مِقْدَارُ الْخَاتَمِ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا مُتَّصِلًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ، وَجَاءَ نَحْوُهَا عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ شَيْئًا مِنَ الرِّيحِ إِلَّا بِوَزْنٍ عَلَى يَدَيْ مَلَكٍ. إِلَّا يَوْمَ عَادٍ فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهَا دُونَ الْخَزَّانِ فَعَبَّتْ عَلَى الْخَزَّانِ وَمِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ نَحْوَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
قَوْلُهُ: (حُسُومًا مُتَتَابِعَةً) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ أَدَامَهَا ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ وَلَاءً مُتَتَابِعَةً، وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مِنَ الْحَسْمِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ.
قَوْلُهُ: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ - أُصُولُهَا - ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾: بَقِيَّةٍ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، قَالَ: قَوْلُهُ: خَاوِيَةٍ أَيْ أُصُولُهَا، وَهِيَ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَنَّثَ النَّخْلَ. وَشَبَّهَهُمْ بِأَعْجَازِ النَّخْلِ إِشَارَةً إِلَى عِظَمِ أَجْسَامِهِمْ، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَقِيلَ: كَانَ طُولُهُ اثْنَيْ عَشْرَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ: كَانَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْكَلْبِيِّ قَالَ: كَانَ طُولُ أَقْصَرِهِمْ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَأَطْوَلُهُمْ مِائَةً وَالْكَلْبِيُّ بِأَلْفٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ أَيْ مِنْ بَقِيَّةٍ، وَفِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ تَحْمِلُ الرَّجُلَ فَتَرْفَعُهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ تُلْقِيهِ فَتَشْدَخُ رَأْسَهُ، فَيَبْقَى جُثَّةً بِلَا رَأْسٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ وَأَعْجَازُ نخْلٍ هِيَ الَّتِي لَا رُءُوسَ لَهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:
أَحَدُهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ وَوَرَدَ فِي صِفَةِ إِهْلَاكِهِمْ بِالرِّيحِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَاهُ: مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى عَادٍ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا مَوْضِعَ الْخَاتَمِ، فَمَرَّتْ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ فَحَمَلَتْهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَرَآهُمُ الْحَاضِرَةُ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرنَا، فَأَلْقَتْهُمْ عَلَيْهِمْ فَهَلَكُوا جَمِيعًا.
ثَانِيهَا: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ) كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَأَوْرَدَهُ. فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ قَائِلًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ فَوَصَلَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسُقْهُ بِتَمَامِهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَوَّلهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ أَيْ: قَتْلًا لَا يُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا؛ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَقْتُلُهُمْ بِالْآلَةِ الَّتِي قُتِلَتْ بِهَا عَادٌ بِعَيْنِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، وَيُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ مَوْصُوفُونَ بِالشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى قَتْلُ ثَمُودَ.
ثَالِثُهَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ