يُصَلِّي، فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى حَاجِبِهَا فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ، فَرَجَعَتْ. ثُمَّ أَتَتْهُ فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي، فَقَالَ مِثْلَهُ فَذَكَرَهُ. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهَا جَاءَتْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تُنَادِيهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ أُمِّي وَصَلَاتِي لِرَبِّي، أُوثِرُ صَلَاتِي عَلَى أُمِّي، ذَكَرَهُ ثَلَاثًا وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ نَطَقَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَطَقَ بِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ ذِكْرَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ عَالِمًا لَعَلِمَ أَنَّ إِجَابَةَ أُمِّهِ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ) فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ الْمَيَامِيسِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَةَ بِالْإِفْرَادِ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: فَغَضِبَتْ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا يَمُوتَنَّ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ وَالْمُومِسَاتُ جَمْعُ مُومِسَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَهِيَ الزَّانِيَةُ وَتُجْمَعُ عَلَى مَوَامِيسَ بِالْوَاوِ، وَجُمِعَ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْخَشَّابِ أَيْضًا وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ وَجَوَّزَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِيهِ الْهَمْزَةَ بَدَلَ الْيَاءِ بَلْ أَثْبَتَهَا رِوَايَةً، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فَقَالَتْ أَبَيْتَ أَنْ تُطْلِعَ إِلَيَّ وَجْهَكَ، لَا أَمَاتَكَ اللَّهُ حَتَّى تَنْظُرَ فِي وَجْهِكَ زَوَانِي الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا) فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَذَكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِبَادَةَ جُرَيْجٍ، فَقَالَتْ بَغِيٌّ مِنْهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ، قَالُوا: قَدْ شِئْنَا. فَأَتَتْهُ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَاعٍ كَانَ يُؤوِي غَنَمَهُ إِلَى أَصْلِ صَوْمَعَةِ جُرَيْجٍ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، لَكِنْ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ مَلِكِ الْقَرْيَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ عِنْدَ صَوْمَعَتِهِ رَاعِي ضَأْنٍ وَرَاعِيَةُ مِعْزَى. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ دَارِ أَبِيهَا بِغَيْرِ عِلْمِ أَهْلِهَا مُتَنَكِّرَةً، وَكَانَتْ تَعْمَلُ الْفَسَادَ إِلَى أَنِ ادَّعَتْ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْتِنَ جُرَيْجًا، فَاحْتَالَتْ بِأَنْ خَرَجَتْ فِي صُورَةِ رَاعِيَةٍ لِيُمْكِنَهَا أَنْ تَأوِيَ إِلَى ظِلِّ صَوْمَعَتِهِ لِتَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى فِتْنَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَوَلَدَتْ غُلَامًا) فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَحَمَلَتْ حَتَّى انْقَضَتْ أَيَّامُهَا فَوَلَدَتْ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَسُئِلَتْ مِمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَقِيلَ لَهَا مِمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْرِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَأُخِذَتْ، وَكَانَ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ قُتِلَ فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا؟ قَالَتْ: هُوَ مِنْ صَاحِبِ الصَّوْمَعَةِ. زَادَ الْأَعْرَجُ نَزَلَ إِلَيَّ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فَقِيلَ لَهَا مَنْ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: جُرَيْجٌ الرَّاهِبُ، نَزَلَ إِلَيَّ فَأَصَابَنِي زَادَ أَبُو سَلَمَةَ فِي رِوَايَتِهِ فَذَهَبُوا إِلَى الْمَلِكِ فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ: أَدْرِكُوهُ فَأْتُونِي بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ)، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ: فَأَقْبَلُوا بِفُئُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ إِلَى الدَّيْرِ فَنَادَوْهُ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، فَأَقْبَلُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: فَمَا شَعَرَ حَتَّى سَمِعَ بِالْفُئُوسِ فِي أَصْلِ صَوْمَعَتِهِ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُمْ: وَيْلَكُمْ مَا لَكُمْ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ الْحَبْلَ فَتَدَلَّى.
قَوْلُهُ: (وَسَبُّوهُ) زَادَ أَحْمَدُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ: وَضَرَبُوهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّكَ زَنَيْتَ بِهَذِهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ عِنْدَهُ فَقَالُوا: أَيْ جُرَيْجُ انْزِلْ، فَأَبَى يُقْبِلُ عَلَى صَلَاتِهِ، فَأَخَذُوا فِي هَدْمِ صَوْمَعَتِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ فَجَعَلُوا فِي عُنُقِهِ وَعُنُقِهَا حَبْلًا وَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا فِي النَّاسِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَيْحَكَ يَا جُرَيْجُ، كُنَّا نَرَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute