مَا وَرَدَ فِي اسْتِحْسَانِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي أَوْرَدَهَا ابْنُ حَزْمٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِعِلْمِ النَّسَبِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ قَلَائِلَ.
قَوْلُهُ: (الشُّعُوبُ النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ) هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِثَالُ الشَّعْبِ مُضَرُ وَرَبِيعَةُ، وَمِثَالُ الْقَبِيلَةِ مَنْ دُونَ ذَلِكَ، وَأَنْشَدَ لِعَمْرِو بْنِ أَحْمَرَ:
مِنْ شِعْبِ هَمْدَانَ أَوْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ أَوْ … خَوْلَانَ أَوْ مَذْحِجٍ هَاجُوا لَهُ طَرَبًا
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ) هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ الْكُوفِيُّ وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْنَادِ، وَأَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ.
قَوْلُهُ: (الشُّعُوبُ: الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ، وَالْقَبَائِلُ الْبُطُونُ) أَيْ: إنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْقَبَائِلِ فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ النَّسَبِ الْبُطُونُ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَلَّادِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَتْنِ: الشُّعُوبُ الْجِمَاعُ، أَيِ الَّذِي يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُطُونِ، قَالَ خَلَّادٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْقَبَائِلُ مِثْلُ بَنِي تَمِيمٍ، وَدُونُهَا الْأَفْخَاذُ، انْتَهَى. وَقَدْ قَسَّمَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ إِلَى شِعْبٍ ثُمَّ قَبِيلَةٍ ثُمَّ عِمَارَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ثُمَّ بَطْنٍ ثُمَّ فَخِذٍ ثُمَّ فَصِيلَةٍ، وَزَادَ غَيْرُهُ قَبْلَ الشِّعْبِ الْجَذْمَ وَبَعْدَ الْفَصِيلَةِ الْعَشِيرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ بَعْدَ الْعَشِيرَةِ الْأُسْرَةَ ثُمَّ الْعِتْرَةَ، فَمِثَالُ الْجَذْمِ عَدْنَانُ، وَمِثَالُ الشِّعْبِ مُضَرُ، وَمِثَالُ الْقَبِيلَةِ كِنَانَةُ، وَمِثَالُ الْعِمَارَةِ قُرَيْشٌ، وَأَمْثِلَةُ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا تَخْفَى. وَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ أَشْيَاءُ مُرَادِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ كَقَوْلِهِمْ: حَيٌّ وَبَيْتٌ وَعَقِيلَةٌ وَأَرُومَةٌ وَجُرْثُومَةٌ، وَرَهْطٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَرَتَّبَهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ النَّسَّابَةُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَرَّانِيِّ جَمِيعَهَا وَأَرْدَفَهَا فَقَالَ: جَذْمٌ ثُمَّ جُمْهُورٌ ثُمَّ شِعْبٌ ثُمَّ قَبِيلَةٌ ثُمَّ عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ ثُمَّ فَخِذٌ ثُمَّ عَشِيرَةٌ ثُمَّ فَصِيلَةٌ ثُمَّ رَهْطٌ ثُمَّ أُسْرَةٌ ثُمَّ عِتْرَةٌ، ثُمَّ ذُرِّيَّةٌ. وَزَادَ غَيْرُهُ فِي أَثْنَائِهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ بَيْتٌ وَحَيٌّ وَجِمَاعٌ فَزَادَتْ عَلَى مَا ذَكَرَ الزُّبَيْرُ عَشَرَةً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: الْقَبَائِلُ لِلْعَرَبِ كَالْأَسْبَاطِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعْنَى الْقَبِيلَةِ الْجَمَاعَةُ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا جُمِعَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ قَبِيلَةٌ أَخْذًا مِنْ قَبَائِلِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ غُصُونُهَا أَوْ مِنْ قَبَائِلِ الرَّأْسِ وَهُوَ أَعْضَاؤُهُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهَا. وَيُقَالُ: الْمُرَادُ بِالشُّعُوبِ فِي الْآيَةِ بُطُونُ الْعَجَمِ وَبِالْقَبَائِلِ بُطُونُ الْعَرَبِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ:
الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ. الْحَدِيثَ، أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ مَضَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَى يُوسُفَ أَكْرَمَ النَّاسِ لِكَوْنِهِ رَابِعَ نَبِيٍّ فِي نَسَقٍ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ الشَّرَفُ فِي نَسَبِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) هُوَ ابْنُ زِيَادٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ) هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَرَوَاهُ عَفَّانُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَقَالَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ عَفَّانَ، وَكُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ تَابِعِيٌّ وَسَطٌ كُوفِيٌّ أَصْلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ ضَعَّفَهُ بِغَيْرِ قَادِحٍ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ ﷺ هِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ مِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَمِمَّنْ كَانَ بِزِيَادَةِ فَاءٍ فِي الْجَوَابِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، أَيْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ مُضَرَ.
قَوْلُهُ: (مُضَرُ) هُوَ ابْنُ نِزَارِ ابْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَالنَّسَبُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى عَدْنَانَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ قَالَ عَلَّمَنِي أَبِي وَأَنَا غُلَامٌ نَسَبَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ شَيْبَةُ الْحَمْدِ بْنُ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ، وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَإِلَيْهِ جِمَاعُ قُرَيْشٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ فِهْرٍ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ بَلْ هُوَ