إِذَا اسْتَأْذَنَّا فَاقْتَحِمْ الْحِجَابَ، فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقَتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ - حِينَ حَلَفْتُ - عَمَلًا أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ) هـ مْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ، وَرَوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ: كَانَ سُكَّانُ مَكَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قُرَيْشٌ دُونَ سَائِرِ بَنِي النَّضْرِ حَتَّى رَحَلُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلُوهُ: مَنْ قُرَيْشٌ؟ قَالَ: ومِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. وَقِيلَ: إِنَّ قُرَيْشًا هُم وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَبِهِ جَزَمَ مُصْعَبٌ، قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ فَلَيْسَ قُرَشِيًّا، وَقَدْ قَدَّمْتُ مِثْلَهُ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ.
وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ نُسِبَ إِلَى قُرَيْشٍ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ: مَتَى سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ قَالَ: حِينَ اجْتَمَعَتْ إِلَى الْحَرَمِ بَعْدَ تَفَرُّقِهَا. فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا، وَلَكِنْ سَمِعْتُ أَنَّ قُصَيًّا كَانَ يُقَالُ لَهُ الْقُرَشِيُّ، وَلَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قُرَيْشًا قَبْلَهُ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْمِقْدَادِ: لَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ نَفْيِ خُزَاعَةَ مِنَ الْحَرَمِ تَجَمَّعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَسُمِّيَتْ يَوْمَئِذٍ قُرَيْشًا لِحَالِ تَجَمُّعِهَا، وَالتَّقَرُّشُ التَّجَمُّعُ. وَقِيلَ: لِتَلَبُّسِهِمْ بِالتِّجَارَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى جَاءَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَجَمِّعًا فِيهِ فَسُمِّيَ قُرَيْشًا، وَقِيلَ: مِنَ التَّقَرُّشِ وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا. وَقَدْ أَكْثَرَ ابْنُ دِحْيَةَ مِنْ نَقْلِ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ قُرَيْشٍ قُرَيْشًا وَمِنْ أَوَّلِ مَنْ تَسَمَّى بِهِ. وَحَكَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَسَمَّى قُرَيْشًا قُرَيْشُ بْنُ بَدْرِ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَكَانَ دَلِيلَ بَنِي كِنَانَةَ فِي حُرُوبِهِمْ، فَكَانَ يُقَالُ: قَدِمَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ، فَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ قُرَيْشًا، وَأَبُوهُ صَاحِبُ بَدْرٍ الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ هِيَ سَيِّدَةُ الدَّوَابِّ الْبَحْرِيَّةِ، وَكَذَلِكَ قُرَيْشٌ سَادَةُ النَّاسِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْـ … ـرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تَ … تْرُكُ فِيهِ لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا
هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ … يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا
وَلَهُمْ آخِرُ الزَّمَانِ نَبِيٌّ … يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: قُرَيْشٌ دَابَّةٌ فِي الْبَحْرِ لَا تَدَعُ دَابَّةً فِي الْبَحْرِ إِلَّا أَكَلَتْهَا، فَجَمِيعُ الدَّوَابِّ تَخَافُهَا. وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ. قُلْتُ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ أَفْوَاهِ أَهْلِ الْبَحْرِ: الْقِرْشُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، لَكِنَّ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، فَلَعَلَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ الْبَيْتَ الْأَخِيرَ مِنَ الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شِعْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مُصَغَّرُ الْقِرْشِ الَّذِي بِكَسْرِ الْقَافِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُرَيْشٌ تَصْغِيرُ قِرْشٍ وَهِيَ دَابَّةٌ فِي الْبَحْرِ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ غَثٍّ وَلَا سَمِينٍ إِلَّا أَكَلَتْهُ، وَقِيلَ سُمِّيَ قُرَيْشًا لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرِشُ عَنْ خَلَّةِ النَّاسِ وَحَاجَتِهِمْ وَيَسُدُّهَا، وَالتَّقْرِيشُ هُوَ التَّفْتِيشُ، وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِالطِّعَانِ، وَالتَّقْرِيشُ وَقْعُ الْأَسِنَّةِ، وَقِيلَ: التَّقَرُّشُ التَّنَزُّهُ عَنْ رَذَائِلِ الْأُمُورِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَقْرَشَتِ الشَّجَّةُ إِذَا صَدَّعَتِ الْعَظْمَ وَلَمْ تُهَشِّمْهُ، وَقِيلَ: أَقْرَشَ بِكَذَا إِذَا سَعَى فِيهِ فَوَقَعَ لَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ: الأول:
قَوْلُهُ: (كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ) سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْمَذْكُورِ وَأَذْكُرُ إِنْ شَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute