بِاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ آخِرَهُ مُصَغَّرٌ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: رَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ، وَفِيهِ تَغْيِيرٌ لَكِنْ أَفَادَ أَنَّ كُنْيَة عَمْرٍو أَبا ثُمَامَةَ، وَيُقَالُ لِخُزَاعَةَ بَنُو كَعْبٍ، نُسِبُوا إِلَى جَدِّهِمْ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: لَمَّا تَفَرَّقَ أَهْلُ سَبَأ بِسَبَبِ سَيْلِ الْعَرِمِ نَزَلَ بَنُو مَازِنٍ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ غَسَّانَ، فَمَنْ أَقَامَ بِهِ مِنْهُمْ فَهُوَ غَسَّانِيٌّ، وَانْخَزَعَتْ مِنْهُمْ بنو عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ عَنْ قَوْمِهِمْ فَنَزَلُوا مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا فَسُمُّوا خُزَاعَةَ، وَتَفَرَّقَتْ سَائِرُ الْأَزْدِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَلَمَّا نَزَلْنَا بَطْنَ مُرٍّ تَخَزَّعَتْ … خُزَاعَةُ مِنَّا فِي جُمُوعٍ كَرَاكِرِ
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ خُزَاعَةَ مِنْ مُضَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ خِنْدَفَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ بَعْدَهَا فَاءٌ اسْمُ امْرَأَةِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَاسْمُهَا لَيْلَى بِنْتُ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، لُقِّبَتْ بِخِنْدَفَ لِمِشْيَتِهَا، وَالْخَنْدَفَةُ الْهَرْوَلَةُ، وَاشْتُهِرَ بَنُوهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا دُونَ أَبِيهِمْ لِأَنَّ إِلْيَاسَ لَمَّا مَاتَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا بِحَيْثُ هَجَرَتْ أَهْلَهَا وَدَارَهَا وَسَاحَتْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ، فَكَانَ مَنْ رَأَى أَوْلَادَهَا الصِّغَارَ يَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَيُقَالُ: بَنُو خِنْدَفَ. إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا ضَيَّعَتْهُمْ، وَقَمَعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ خَفِيفَةٌ، وَيُقَالُ: بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي نِسْبَةَ خُزَاعَةَ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى مُضَرَ فَزَعَمَ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ عَمْرٍو لَمَّا مَاتَ قَمَعَةُ بْنُ خِنْدَفَ كَانَتِ امْرَأَتُهُ حَامِلًا بِلُحَيٍّ فَوَلَدَتْهُ وَهِيَ عِنْدَ حَارِثَةَ فَتَبَنَّاهُ فَنُسِبَ إِلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ مُضَرَ بِالْوِلَادَةِ وَمِنَ الْيَمَنِ بِالتَّبَنِّي.
وَذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ سَبَبَ قِيَامِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ أَنَّ أُمَّهُ فُهَيْرَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ، وَكَانَ أَبُوهَا آخِرَ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ مِنْ جُرْهُمٍ، فَقَامَ بِأَمْرِ الْبَيْتِ سِبْطُهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ فَصَارَ ذَلِكَ فِي خُزَاعَةَ بَعْدَ جُرْهُمٍ، وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ حُرُوبٌ إِلَى أَنِ انْجَلَتْ جُرْهُمٌ عَنْ مَكَّةَ، ثُمَّ تَوَلَّتْ خُزَاعَةُ أَمْرَ الْبَيْتِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرُهُمْ يُدْعَى أَبَا غُبْشَانَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ أَيْضًا وَاسْمُهُ الْمُحَرِّشُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ ابْنُ حُلَيْلٍ بِمُهْمَلَةٍ وَلَامَيْنِ مُصَغَّرٌ ابْنُ حَبْشِيَّةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ ثُمَّ يَاءٌ نَسَبُ ابْنِ سَلُولٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ ابْنِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، وَهُوَ خَالُ قُصَيِّ ابْنِ كِلَابٍ أَخُو أُمِّهِ حُبِّي بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ مَعَ الْإِمَالَةِ، وَكَانَ فِي عَقْلِهِ شَيْءٌ فَخَدَعَهُ قُصَيٌّ فَاشْتَرَى مِنْهُ أَمْرَ الْبَيْتِ بِأَذْوَادٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَيُقَالُ بِزِقِّ خَمْرٍ، فَغَلَبَ قُصَيٌّ حِينَئِذٍ عَلَى أَمْرِ الْبَيْتِ، وَجَمَعَ بُطُونَ بَنِي فِهْرٍ وَحَارَبَ خُزَاعَةَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَّةَ ; وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا … بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
وَشَرَعَ قُصَيٌّ لِقُرَيْشٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ، فَكَانَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ أَيَّامَ مِنًى وَالْحِيَاضَ لِلْمَاءِ، فَيُطْعِمُ الْحَجِيجَ وَيَسْقِيهِمْ، وَهُوَ الَّذِي عَمَّرَ دَارَ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ، فَإِذَا وَقَعَ لِقُرَيْشٍ شَيْءٌ اجْتَمَعُوا فِيهَا وَعَقَدُوهُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ أَبُو خُزَاعَةَ) أَيْ هُوَ أَبُو خُزَاعَةَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهَذَا السَّنَدِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ خُزَاعَةُ بْنُ قَمَعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خِنْدَفَ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ; وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَمْرٌو أَبُو خُزَاعَةَ بْنُ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ وَهَذَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ لَكِنْ بِحَذْفِ لُحَيٍّ، وَبِأَنْ يُعْرَبَ ابْنُ قَمَعَةَ إعْرَابَ عَمْرٍو لَا إِعْرَابَ أَبُو خُزَاعَةَ، وَأَصْوَبُهَا الْأَوَّلُ، وَهَكَذَا رَوَى أَبُو حُصَيْنٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُخْتَصَرًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَتَمَّ مِنْهُ، وَلَفْظُهُ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفَ يَجُرُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute