بَقِيَّةُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ أُمَّتِي أُمَّةَ النَّسَبِ لَا أُمَّةَ الدَّعْوَةِ؛ يَعْنِي الْعَرَبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ بِمَا فِيهِ غِنْيَةٌ، وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْجِهَادِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ قِتَالِ الْيَهُودِ.
قَوْلُهُ: (تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: يَنْزِلُ الدَّجَّالُ هَذِهِ السَّبْخَةَ - أَيْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ - ثُمَّ يُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَالْحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ وَالشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ فَاقْتُلْهُ. وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقِتَالِ الْيَهُودِ وُقُوعُ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ الدَّجَّالُ وَنَزَلَ عِيسَى، وَكَمَا وَقَعَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فِي قِصَّةِ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى، وَفِيهِ: وَرَاءَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى. فَيُدْرِكُهُ عِيسَى عِنْدَ بَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ الْيَهُودُ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ - لِلْمُسْلِمِ - هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مُطَوَّلًا وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَفِي الْحَدِيثِ ظُهُورُ الْآيَاتِ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ مِنْ كَلَامِ الْجَمَادِ مِنْ شَجَرَةٍ وَحَجَرٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَنْطِقُ حَقِيقَةً. وَيَحْتَمِلُ الْمَجَازَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يُفِيدُهُمْ الِاخْتِبَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَفِيهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَبْقَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ جَوَازُ مُخَاطَبَةِ الشَّخْصِ، وَالْمُرَادُ مَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ، لِأَنَّ الْخِطَابَ كَانَ لِلصَّحَابَةِ وَالْمُرَادُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانُوا مُشْتَرِكِينَ مَعَهُمْ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ نَاسَبَ أَنْ يُخَاطَبُوا بِذَلِكَ.
٣٥٩٤ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ ﷺ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ ﷺ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
٣٥٩٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ - وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى. قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ. وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute