الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ بَعْضِهِ فِي آخِرِ اللُّقَطَةِ، وَقَوْلُهُ هُنَا فِي أَوَّلِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْبِيكَنْدِيُّ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِهِ، وَشَيْخُهُ الْآخَرُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا وَأَقْدَمُ سَمَاعًا وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ يُعْرَفُ بِالْوَرْتَنِّيسيِّ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ - وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ تَامًّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِلَّا زُهَيْرٌ وَأَخُوهُ خَدِيجٌ، وَإِسْرَائِيلُ، وَرَوَى شُعْبَةُ مِنْهُ قِصَّةَ اللَّبَنِ خَاصَّةً، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ إِسْحَاقَ مُطَوَّلًا أَيْضًا حَفِيدُهُ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهُوَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ سُرَاقَةَ، وَزَادَ فِيهِ قِصَّةً غَيْرَهَا كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (جَاءَ أَبُو بَكْرٍ)؛ أَيِ الصِّدِّيقُ (إِلَى أَبِي) هُوَ عَازِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَوْسِيُّ، مِنْ قُدَمَاءِ الْأَنْصَارِ.
قَوْلُهُ: (فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، هُوَ لِلنَّاقَةِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ.
قَوْلُهُ: (ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا؟) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ الْآتِيَةِ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ: إنَّ عَازِبًا امْتَنَعَ مِنْ إِرْسَالِ ابْنِهِ مَعَ أَبِي بِكْرٍ حَتَّى يُحَدِّثَهُ أَبُو بَكْرٍ بِالْحَدِيثِ، وَهِيَ زِيَادَةُ ثِقَةٍ مَقْبُولَةٍ لَا تُنَافِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ، بَلْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: فَقَالَ لَهُ أَبِي؛ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَحْمِلَهُ مَعَهُ، أَوْ أَعَادَ عَازِبٌ سُؤَالَ أَبِي بَكْرٍ عَنِ التَّحْدِيثِ بَعْدَ أَنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَأَجَابَهُ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا) هَكَذَا اسْتَعْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ سَرَوتُ وَأَسْرَيْتُ فِي سَيْرِ اللَّيْلِ.
قَوْلُهُ: (لَيْلَتَنَا)؛ أَيْ بَعْضَهَا، وَذَلِكَ حِينَ خَرَجُوا مِنَ الْغَارِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَفِيهَا أَنَّهُمَا لَبِثَا فِي الْغَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ خَرَجَا، وَقَوْلُهُ: وَمِنَ الْغَدِ فِيهِ تَجَوُّزٌ ; لِأَنَّ السَّيْرَ الَّذِي عُطِفَ عَلَيْهِ سَيْرُ اللَّيْلِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ)؛ أَيْ نِصْفُ النَّهَارِ، وَسُمِّيَ قَائِمًا لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ، فَكَأَنَّهُ وَاقِفٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ: أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا؛ أَيْ: دَخَلْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ.
قَوْلُهُ: (فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ)؛ أَيْ ظَهَرَتْ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَأْتِ عَلَيْهَا)؛ أَيْ عَلَى الصَّخْرَةِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ؛ أَيْ عَلَى الظِّلِّ.
قَوْلُهُ: (وَبَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً) هِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَيْءٌ مِنَ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ، لَكِنْ يُقَوِّي الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ: فَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً مَعِي، وَفِي رِوَايَةِ خَدِيجٍ فِي جُزْءِ لُوَيْنٍ: فَرْوَةً كَانَتْ مَعِي.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ) يَعْنِي مِنَ الْغُبَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُثِيرَهُ عَلَيْهِ الرِّيحُ، وَقِيلَ: مَعْنَى النَّفْضِ هُنَا الْحِرَاسَةُ، يُقَالُ: نَفَضْتُ الْمَكَانَ إِذَا نَظَرْتُ جَمِيعَ مَا فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي؛ هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا؟.
قَوْلُهُ: (لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي؛ أَيَّ اللَّفْظَيْنِ قَالَ؟ وَكَأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ زُهَيْرٍ فَقَالَ فِيهِ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَشُكَّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ خَدِيجٍ: فَسَمَّى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يَشُكَّ. وَالْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ مَكَّةُ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ تُسَمَّى الْمَدِينَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهَا: يَثْرِبُ. وَأَيْضًا فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَبْعُدُوا فِي الْمُرَاعِي هَذِهِ الْمَسَافَةَ الْبَعِيدَةَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْتُهُ؛ لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمْ يَكُونُوا يَسْكُنُونَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ إِذْ ذَاكَ.
قَوْلُهُ: (أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ لُبٍّ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ لَابِنٍ؛ أَيْ ذَوَاتُ لَبَنٍ.
قَوْلُهُ: (أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ: أَمَعَكَ إِذْنٌ فِي