للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أُمَّهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ هَذَا الضَّرْبِ مَرَاسِيلُ، وَالْخِلَافُ الْجَارِي بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ الْأَسْفَرَايِنيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى رَدِّ الْمَرَاسِيلِ مُطْلَقًا حَتَّى مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ لَا يَجْرِي فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ أَحَادِيثَهُمْ لَا مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَلَا مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: صَحَابِيٌّ حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ لَا يَقْبَلُهُ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فَكَانَ لَا يَعُدُّ فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا مَنْ صَحِبَ الصُّحْبَةَ الْعُرْفِيَّةَ، كَمَا جَاءَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجَسٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، هَذَا مَعَ كَوْنِ عَاصِمٍ قَدْ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجَسٍ هَذَا عِدَّةَ أَحَادِيثَ، وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ، وَأَكْثَرُهَا مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْهُ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَغْفَرَ لَهُ. فَهَذَا رَأْيُ عَاصِمٍ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ يَكُونُ صَحِبَ الصُّحْبَةَ الْعُرْفِيَّةَ ; وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَنَةً فَصَاعِدًا أَوْ غَزَا مَعَهُ غَزْوَةً فَصَاعِدًا، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى عَدِّ جَمْعٍ جَمٍّ فِي الصَّحَابَةِ لَمْ يَجْتَمِعُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ إِلَّا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

وَمَنِ اشْتَرَطَ الصُّحْبَةَ الْعُرْفِيَّةَ أَخْرَجَ مَنْ لَهُ رُؤْيَةٌ أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ بِهِ لَكِنْ فَارَقَهُ عَنْ قُرْبٍ، كَمَا جَاءَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرُكَ؟ قَالَ: لَا، مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَقِيَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ. وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حِينَ اجْتِمَاعِهِ بِهِ بَالِغًا، وَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَنَحْوَهُ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ، وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ.

وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَيْدٌ يَخْرُجُ بِهِ مَنْ صَحِبَهُ أَوْ مَنْ رَآهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَالًا خَرَجَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ مَنْ صَحِبَهُ أَوْ رَآهُ مُؤْمِنًا بِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَحَابِيًّا اتِّفَاقًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ: وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدِيثُ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَهُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَحَدَّثَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ لَحِقَهُ الْخِذْلَانُ فَلَحِقَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بِالرُّومِ وَتَنَصَّرَ بِسَبَبِ شَيْءٍ أَغْضَبَهُ، وَإِخْرَاجُ حَدِيثِ مِثْلِ هَذَا مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّ مَنْ أَخْرَجَهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى قِصَّةِ ارْتِدَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَلَوِ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ لَكِنْ لَمْ يَرَهُ ثَانِيًا بَعْدَ عَوْدِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لِإِطْبَاقِ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى عَدِّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِخْرَاجُهُمْ أَحَادِيثَهُمْ فِي الْمَسَانِيدِ، وَهَلْ يَخْتَصُّ جَمِيعُ ذَلِكَ بِبَنِي آدَمَ أَوْ يَعُمُّ غَيْرَهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ، مَحَلُّ نَظَرٍ، أَمَّا الْجِنُّ فَالرَّاجِحُ دُخُولُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بُعِثَ إِلَيْهِمْ قَطْعًا، وَهُمْ مُكَلَّفُونَ، فِيهِمُ الْعُصَاةُ وَالطَّائِعُونَ، فَمَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِنْهُمْ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْأَثِيرِ عَابَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي مُوسَى فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إِلَى حُجَّةٍ.

وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَيَتَوَقَّفُ عَدُّهُمْ فِيهِمْ عَلَى ثُبُوتِ بَعْثَتِهِ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، حَتَّى نَقَلَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَعَكَسَ بَعْضُهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ رَآهُ وَهُوَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، أَمَّا مَنْ رَآهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ دَفْنِهِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ وَإِلَّا لَعُدَّ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ يَرَى جَسَدَهُ الْمُكَرَّمَ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ الْمُعَظَّمِ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كُشِفَ لَهُ عَنْهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَرَآهُ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَامَةِ، إِذْ حُجَّةُ مَنْ أَثْبَتَ الصُّحْبَةَ لِمَنْ رَآهُ قَبْلَ دَفْنِهِ أَنَّهُ مُسْتَمِرُّ الْحَيَاةِ، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ دُنْيَوِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ أُخْرَوِيَّةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ جَارِيَةٌ عَلَى أَحْكَامِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَوْتَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ مَنِ اتَّفَقَتْ لَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ