للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَتَكَلَّمَ نَاسٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَدَدْتُ شَيْئًا وَلَا فَتَحْتُهُ وَلَكِنْ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْتُهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَسُدَّتْ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ فَكَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَهُوَ جُنُبٌ لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُمَا ثِقَاتٌ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ، فَرُبَّمَا مَرَّ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ : رَسُولُ اللَّهِ خَيْرُ النَّاسِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَلَقَدْ أُعْطِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثَ خِصَالٍ لَأَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ ابْنَتَهُ وَوَلَدَتْ لَهُ، وَسَدَّ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَرَارٍ بِمُهْمَلَاتٍ قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا وَانْظُرْ إِلَى مَنْزِلَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ سَدَّ أَبْوَابَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَقَرَّ بَابَهُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا الْعَلَاءَ وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ.

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَكُلُّ طَرِيقٍ مِنْهَا صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ فَضْلًا عَنْ مَجْمُوعِهَا. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ عُمَرَ مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْهُمْ، وَأَعَلَّهُ بِبَعْضِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ رُوَاتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ كَثْرَةِ الطُّرُقِ، وَأَعَلَّهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ فِي بَابِ أَبِي بَكْرٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ الرَّافِضَةِ قَابَلُوا بِهِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي بَابِ أَبِي بَكْرٍ انْتَهَى، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ خَطَأً شَنِيعًا فَإِنَّهُ سَلَكَ فِي ذَلِكَ رَدَّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِتَوَهُّمِهِ الْمُعَارَضَةَ، مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مُمْكِنٌ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ:

وَرَدَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ، وَوَرَدَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَاتُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْرُقَ هَذَا الْمَسْجِدَ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرُكَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ بَابَ عَلِيٍّ كَانَ إِلَى جِهَةِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ لِبَيْتِهِ بَابٌ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِسَدِّهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ إِلَّا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ بَيْتَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَمُحَصَّلُ الْجَمْعِ أَنَّ الْأَمْرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ، فَفِي الْأُولَى اسْتُثْنِيَ عَلِيٌّ لِمَا ذَكَرَهُ، وَفِي الْأُخْرَى اسْتُثْنِيَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يُحْمَلَ مَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ عَلَى الْبَابِ الْحَقِيقِيِّ وَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْبَابِ الْمَجَازِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَوْخَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِسَدِّ الْأَبْوَابِ سَدُّوهَا وَأَحْدَثُوا خِوَخًا يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخُولَ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْهَا فَأُمِرُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِسَدِّهَا، فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَا بَأْسَ بِهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَبِهَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ، وَهُوَ فِي أَوَائِلِ الثُّلُثِ الثَّالِثِ مِنْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي

الْأَخْبَارِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لَهُ بَابٌ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَخَوْخَةٌ إِلَى دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، وَبَيْتُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ إِلَّا مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَنَّهُ كَانَ مُتَأَهِّلًا لِأَنْ يَتَّخِذَهُ النَّبِيُّ خَلِيلًا لَوْلَا الْمَانِعُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ لِلْخَلِيلِ صِفَةً خَاصَّةً تَقْتَضِي عَدَمَ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ تُصَانُ عَنِ التَّطَرُّقِ إِلَيْهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُهِمَّةٍ، وَالْإِشَارَةُ بِالْعِلْمِ الْخَاصِّ دُونَ التَّصْرِيحِ لِإِثَارَةِ أَفْهَامِ