فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِي حُذَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ يَعْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَمَّارًا قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ أَوْ السِّرَارِ قَالَ بَلَى قَالَ كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ قُلْتُ "وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى" قَالَ مَا زَالَ بِي هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ".
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنَاقِبِ عَمَّارٍ، وَحُذَيْفَةَ) أَمَّا عَمَّارٌ فَهُوَ ابْنُ يَاسِرٍ، يُكَنَّى أَبَا الْيَقْظَانِ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ قَدِيمًا، وَعُذِّبُوا لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلَ أَبُو جَهْلٍ أُمَّهُ فَكَانَتْ أَوَّلَ شَهِيدٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَاتَ أَبُوهُ قَدِيمًا، وَعَاشَ هُوَ إِلَى أَنْ قُتِلَ بِصِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ ﵃، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْكُوفَةِ لِعُمَرَ فَلِهَذَا نَسَبَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَيْهَا.
وَأَمَّا حُذَيْفَةُ فَهُوَ ابْنُ الْيَمَانِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو الْعَبْسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ الْيَمَانِ كَمَا سَيَأْتِي، وَوَلِيَ حُذَيْفَةُ بَعْضَ أُمُورِ الْكُوفَةِ لِعُمَرَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ الْمَدَائِنِ، وَمَاتَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِيَسِيرٍ بِهَا، وَكَانَ عَمَّارٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَحُذَيْفَةُ مِنَ الْقُدَمَاءِ فِي الْإِسْلَامِ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِيهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ لِوُقُوعِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَقَدْ أَفْرَدَ ذِكْرَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ ذُكِرَ مَعَهُمَا لِوُجُودِهِ مَا يُوَافِقُ شَرْطَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ، وَقَدْ أَفْرَدَ ذِكْرَ حُذَيْفةَ فِي أَوَاخِرِ الْمَنَاقِبِ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا سَنَذْكُرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُهَذِّبْ تَرْتِيبَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْمَنَاقِبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِفْرَادُهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ ذِكْرَ تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ الْيَمَانِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّامِ، وَهَذَا الثَّانِي صُورَتُهُ مُرْسَلٌ، لَكِنْ قَالَ فِي أَثْنَائِهِ: قَالَ: قُلْتُ: بَلَى فَاقْتَضَى أَنَّهُ مَوْصُولٌ، وَوَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَجْلِسَ إِلَى جَنْبِي) أَيْ يَجْعَلَ غَايَةَ مَجِيئِهِ جُلُوسَهُ، وَعَبَّرَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ مُبَالَغَةً، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ اسْتَجَابَ دَعْوَتِي.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْقَائِلِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمِ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَمُرَادُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِذَلِكَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدِمُوا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ لَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُحَدِّثَ لَا يَرْحَلُ عَنْ بَلَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ مَا عِنْدَ مَشَايِخِهَا.
قَوْلُهُ: (صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ) أَيْ نَعْلَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَحْمِلُهُمَا وَيَتَعَاهَدُهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْوِسَادُ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ صَاحِبُ السِّوَاكِ - بِالْكَافِ - أَوِ السَّوَادِ بِالدَّالِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا الْوِسَادُ وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ أَوْجَهُ، وَالسَّوَادُ السِّرَارُ بِرَاءَيْنِ، يُقَالُ: سَاوَدْتُهُ سَوَادًا أَيْ سَارَرْتُهُ سِرَارًا، وَأَصْلُهُ أَدْنَى السَّوَادِ وَهُوَ الشَّخْصُ مِنَ السَّوَادِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمِطْهَرَةُ) فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْمِطْهَرُ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ مِنَ الْجِهَازِ غَيْرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، كَذَا قَالَ، وَتَعَقَّبَ ابْنُ التِّينِ كَلَامَهُ فَأَصَابَ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: