للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَاجَرَ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي أَرَادَ أَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ شِدَّةُ الْعَدْوِ. نَعَمْ قَوْلُهُ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فَهُوَ يُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ نَظِيرُ إِنْكَارِهِ اسْتِحْبَابَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ تُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْمَفْرُوضِ، وَلَمْ يُرِدِ السُّنَّةَ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ دَلِيلُ مَطْلُوبِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيمِ تَارِكِهِ.

قَوْلُهُ: (لَا نُجِيزُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، أَيْ: لَا نَقْطَعُ. وَالْبَطْحَاءُ مَسِيلُ الْوَادِي، تَقُولُ: جُزْتُ الْمَوْضِعَ: إِذَا سِرْتَ فِيهِ، وَأَجَزْتُهُ إِذَا خَلَّفْتَهُ وَرَاءَكَ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى. وَقَوْلُهُ: إِلَّا شَدًّا أَيْ لَا نَقْطَعُهَا إِلَّا بِالْعَدْوِ الشَّدِيدِ.

الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ) بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْضًا الْكُوفِيُّ، وَأَبُو السَّفَرِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يُحْمَدَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ الْمَضْمُومَةِ وَالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ كُوفِيٌّ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأَسْمِعُونِي) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، أَيْ: أَعِيدُوا عَلَيَّ قَوْلِي لِأَعْرِفَ أَنَّكُمْ حَفِظْتُمُوهُ، كَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا مَا أَرَادَ فَيُخْبِرُوا عَنْهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْمَعُوا مِنِّي سَمَاعَ ضَبْطٍ وَإِتْقَانٍ، وَلَا تَقُولُوا: قَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَضْبِطُوا.

قَوْلُهُ: (مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ وَرَاءِ الْجَدْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحِجْرُ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الَّذِي يَلِي الْبَيْتَ إِلَى جِهَةِ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَمَا قِيلَ فِي مِقْدَارِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَقُولُوا الْحَطِيمُ) فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ خَدِيجِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا الْحَطِيمُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَا حَطِيمَ، كَانَ الرَّجُلُ إِلَخْ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنْ مُطَرِّفٍ: فَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَمُّونَهُ - أَيْ الْحِجْرَ - الْحَطِيمُ، كَانَتْ فِيهِ أَصْنَامُ قُرَيْشٍ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ نَحْوَهُ وَقَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ وَضَعَ مِحْجَنَهُ ثُمَّ حَلَفَ، فَمَنْ طَافَ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَائِهِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ يَحْلِفُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ، وَفِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ إِذَا حُلِّفَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَالَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَلْقَى الْحَلِيفُ فِي الْحِجْرِ نَعْلًا أَوْ سَوْطًا أَوْ قَوْسًا أَوْ عَصًا عَلَامَةً لِقَصْدِ حَلِفِهِمْ فَسَمَّوْهُ الْحَطِيمَ لِذَلِكَ، لِكَوْنِهِ يُحَطِّمُ أَمْتِعَتَهُمْ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ شَأْنَهُمْ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ، وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْحَطِيمُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ إِذَا دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ هَلَكَ. وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: سُمِّيَ الْحِجْرُ حَطِيمًا لِمَا تَحَجَّرَ عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ قُصِرَ بِهِ عَنِ ارْتِفَاعِ الْبَيْتِ وَأُخْرِجَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْطِمُ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الزِّحَامِ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَطِيمُ هُوَ بِئْرُ الْكَعْبَةِ الَّتِي كَانَ يُلْقَى فِيهَا مَا يُهْدَى لَهَا. وَقِيلَ: الْحَطِيمُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمَقَامِ. وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَى أَوَّلِ الْحِجْرِ يُسَمَّى الْحَطِيمَ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ فِي رَدِّ أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ خَدِيجٍ: وَلَكِنَّهُ الْجَدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مِنَ الْبَيْتِ.

وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَالْبَرْقَانِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَيُّمَا صَبِيٌّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ مَا دَامَ صَغِيرًا، فَإِذَا بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ الْحَدِيثُ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَحَذَفَهَا مِنْهُ عَمْدًا لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالتَّرْجَمَةِ، وَلِكَوْنِهَا مَوْقُوفَةً، وَأَمَّا أَوَّلُ الْحَدِيثِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ حَاصِلٌ بِالنَّسَبَةِ لِنَقْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا رَآهُ النَّبِيُّ فَأَقَرَّهُ أَوْ أَزَالَهُ، فَمَهْمَا لَمْ يُنْكِرْهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، وَمَهْمَا أَنْكَرَ فَالشَّرْعُ بِخِلَافِهِ.

الحديث الثامن عشر.