للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَكِنَّا فَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْنَا: اغْتِيلَ، اسْتُطِيرَ. فَبِتْنَا شَرَّ لَيْلَةٍ. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ إِذَا نَحْنُ بِهِ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، فَذَكَرْنَا لَهُ، فَقَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ، فَانْطَلَقَ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ.

وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ شَيْبَةَ الْخُزَاعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنْظُرَ اللَّيْلَةَ أَثَرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ، قَالَ: فَلَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي بِرِجْلِهِ خَطًّا ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ كَثِيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا وَفَرَغَ مِنْهُمْ مَعَ الْفَجْرِ فَانْطَلَقَ الْحَدِيثُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ: مَا صَحِبَهُ مِنَّا أَحَدٌ، أَرَادَ بِهِ فِي حَالِ إِقْرَائِهِ الْقُرْآنَ، لَكِنْ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ: إِنَّهُمْ فَقَدُوهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِخُرُوجِهِ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَقَدَهُ غَيْرُ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ مُتَابِعٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اسْتَتْبَعَنِي النَّبِيُّ فَقَالَ: إِنَّ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ خَمْسَةَ عَشَرَ بَنِي إِخْوَةٍ وَبَنِي عَمٍّ يَأْتُونَنِي اللَّيْلَةَ، فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ، فَخَطَّ لِي خَطًّا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُمَا، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ اسْتِمَاعَ الْجِنِّ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ مِنَ الطَّائِفِ لَمَّا خَرَجَ إِلَيْهَا يَدْعُو ثَقِيفًا إِلَى نَصْرِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ، كَمَا جَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَنَّ خُرُوجَهُ إِلَى الطَّائِفِ كَانَ فِي شَوَّالٍ، وَسُوقُ عُكَاظٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَتْ تُقَامُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ: وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، لَمْ يُضْبَطْ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ غَيْرُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ تَلَقَّاهُ لَمَّا رَجَعَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ وُفُودَ الْجِنِّ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الطَّائِفِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَوَّلِيَّةِ قُدُومِ بَعْضِهِمْ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي رَمْيِ الشُّهُبِ لِحِرَاسَةِ السَّمَاءِ مِنِ اسْتِرَاقِ الْجِنِّ السَّمْعَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ، وَإِنْزَالِ الْوَحْيِ إِلَى الْأَرْضِ، فَكَشَفُوا ذَلِكَ إِلَى أَنْ وَقَفُوا عَلَى السَّبَبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدِ التَّرْجَمَةَ بِقُدُومٍ وَلَا وِفَادَةٍ، ثُمَّ لَمَّا انْتَشَرَتِ الدَّعْوَةُ وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ قَدِمُوا فَسَمِعُوا فَأَسْلَمُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ، ثُمَّ تَعَدَّدَ مَجِيئهُمْ حَتَّى فِي الْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَفِي طَبَقَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ مُكَبَّرٌ وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَيِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ.

قَوْلُهُ: (مَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ) فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ آذَنَتْ بِهِمْ سَمُرَةٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ.

قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَخْبَرَنِي جَدِّي) هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.

قَوْلُهُ: (ابْغِنِي) قَالَ ابْنُ التِّينِ: هُوَ مَوْصُولٌ مِنَ الثُّلَاثِيِّ تَقُولُ: بَغَيْتُ الشَّيْءَ: طَلَبْتُهُ، وَأَبْغَيْتُكَ الشَّيْءَ: أَعَنْتُكَ عَلَى طَلَبِهِ.

قَوْلُهُ: (أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضُ بِهَا) تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّا وَقَعَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّا مَضَى قَبْلَ ذَلِكَ، وَنَصِيبِينَ بَلْدَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْجَزِيرَةِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ التِّينِ أَنَّهَا بِالشَّامِ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ الْجَزِيرَةَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَيَجُوزُ صَرْفُ نَصِيبِينَ وَتَرْكُهُ.

قَوْلُهُ: (فَسَأَلُونِي الزَّادَ) أَيْ: مِمَّا يَفْضُلُ عَنِ الْإِنْسِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ الشَّرْعِ عَلَى الْحَظْرِ حَتَّى تَرِدَ الْإِبَاحَةُ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَنْعِ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ.

قَوْلُهُ: