للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّادِسَةِ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: سُمِّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْمَلَائِكَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَحَدٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ . قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمَ، لَكِنْ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ.

قُلْتُ: وَأَوْرَدَ النَّوَوِيُّ هَذَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ: وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ … إِلَخْ. هَكَذَا أَوْرَدَهُ فَأَشْعَرَ بِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، وَلَا سِيَّمَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: ظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهَا فِي السَّابِعَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي السَّادِسَةِ، وَهَذَا تَعَارُضٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ وَصْفُهَا بِأَنَّهَا الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ كُلِّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَكُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ عَلَى مَا قَالَ كَعْبٌ، قَالَ: وَمَا خَلْفَهَا غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ أَوْ مَنْ أَعْلَمَهُ، وَبِهَذَا جَزَمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِلَيْهَا مُنْتَهَى أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ، قَالَ: وَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ أَنَسٍ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفٌ، كَذَا قَالَ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الْجَمْعِ بَلْ جَزَمَ بِالتَّعَارُضِ. قُلْتُ: وَلَا يُعَارِضُ قَوْلُهُ: إِنَّهَا فِي السَّادِسَةِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَصْلَهَا فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَأَغْصَانَهَا وَفُرُوعَهَا فِي السَّابِعَةِ، وَلَيْسَ فِي السَّادِسَةِ مِنْهَا إِلَّا أَصْلُ سَاقِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَوَّلَ الصَّلَاةِ: فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَبَقِيَّةُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ قَالَ: فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. كَذَا فَسَّرَ الْمُبْهَمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَغْشَى﴾ بِالْفِرَاشِ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ: جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَذِكْرُ الْفِرَاشِ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الشَّجَرِ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهَا الْجَرَادُ وَشَبَهُهُ، وَجَعَلَهَا مِنَ الذَّهَبِ لِصَفَاءِ لَوْنِهَا وَإِضَاءَتِهَا فِي نَفْسِهَا انْتَهَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الذَّهَبِ حَقِيقَةً وَيُخْلَقُ فِيهِ الطَّيَرَانُ، وَالْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: يَغْشَاهَا الْمَلَائِكَةُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا مَلَكٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ نَحْوَهُ، لَكِنْ قَالَ: تَحَوَّلَتْ نُوتًا وَنَحْوَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا نَبِقُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا أَيْضًا، قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ، أَيِ التَّحْرِيكُ، وَالنَّبْقُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ ثَمَرُ السِّدْرِ

قَوْلُهُ: (مِثْلَ قِلَالِ هَجَرَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْقِلَالُ بِالْكَسْرِ جَمْعُ قُلَّةٍ بِالضَّمِّ هِيَ الْجِرَارُ، يُرِيدُ أَنَّ ثَمَرَهَا فِي الْكُبْرِ مِثْلُ الْقِلَالِ، وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ فَلِذَلِكَ وَقَعَ التَّمْثِيلُ بِهَا، قَالَ: وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ تَحْدِيدُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِهَا فِي قَوْلِهِ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: هَجَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ بَلْدَةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ، وَيَجُوزُ الصَّرْفُ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا لَامٌ جَمْعُ فِيلٍ، وَوَقَعَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: مِثْلُ آذَانِ الْفُيُولِ، وَهُوَ جَمْعُ فِيلٍ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: اخْتِيرَتِ السِّدْرَةُ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْصَافٍ: ظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَطَعَامٍ لَذِيذٍ، وَرَائِحَةٍ زَكِيَّةٍ، فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِيمَانِ الَّذِي يَجْمَعُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ وَالنِّيَّةَ، وَالظِّلُّ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ، وَالطَّعْمُ بِمَنْزِلَةِ النِّيَّةِ، وَالرَّائِحَةُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ) فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: فَإِذَا فِي أَصْلِهَا - أَيْ فِي أَصْلِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى - أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ، وَلِمُسْلِمٍ: يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ: النِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ