عَبْدِ اللَّهِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ، وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ مَشَاهُ وَتَبِعَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ فِي مَغَازِيهِ عَنْ عُرْوَةَ وَوَصَلَهُ ابْنُ عَائِذٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْأَبْوَاءِ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ رَجُلًا فَلَقُوا جَمْعًا مِنْ قُرَيْشٍ فَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ، فَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِسَهْمٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعِنْدَ الْأُمَوِيِّ: يُقَالُ: إِنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْإِسْلَامِ رَايَةً، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَالْوَاقِدِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا: وَكَانَ حَامِلَ رَايَتِهِ أَبُو مَرْثَدَ حَلِيفُ حَمْزَةَ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ رَجُلًا لِيَعْتَرِضُوا عِيرَ قُرَيْشٍ، فَلَقُوا أَبَا جَهْلٍ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي.
وَأَمَّا بَوَاطُ فَبِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُضَمُّ، وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ بِقُرْبِ يَنْبُعَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ غَزَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا أَيْضًا حَتَّى بَلَغَ بَوَاطَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى وَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا، وَرَضْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ: جَبَلٌ مَشْهُورٌ عَظِيمٌ بِيَنْبُعَ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّائِبَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَعَلَيْهِ جَرَى السُّهَيْلِيُّ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.
وَأَمَّا الْعُشَيْرَةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَالتَّصْغِيرِ وَآخِرُهَا هَاءٌ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هِيَ بِبَطْنِ يَنْبُعَ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا في جُمَادَى الْأُولَى يُرِيدُ قُرَيْشًا أَيْضًا، فَوَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ مِنْ كِنَانَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْتَعْمَلَ فِيهَا عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هَذِهِ السَّفْرَاتِ الثَّلَاثَ كَانَ يَخْرُجُ فِيهَا لِيَلْتَقِيَ تُجَّارَ قُرَيْشٍ حِينَ يَمُرُّونَ إِلَى الشَّامِ ذِهَابًا وَإِيَابًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ السَّرَايَا الَّتِي بَعَثَهَا قَبْلَ بَدْرٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يُقِمْ إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِي طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ سَفَرَانَ - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ - مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، فَقَاتَلَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، وَهَذِهِ هِيَ بَدْرٌ الْأُولَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ الْبَيَانُ عَنْ سَرِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأَنَّهُ وَمَنْ مَعَهُ لَقُوا نَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ رَاجِعِينَ بِتِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ فَقَاتَلُوهُمْ، وَاتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا وَأَخَذُوا الَّذِي كَانَ مَعَهُمْ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتْلٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوَّلَ مَالٍ غُنِمَ، وَمِمَّنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيٍّ الَّذِي حَرَّضَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلَى الْقِتَالِ بِبَدْرٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ كَمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، لَيُهْلَكُنَّ. فَنَزَلَتْ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْقِتَالِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ أُذِنَ لَهُمْ فِي قِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا﴾ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا وَهْبٌ) هُوَ ابْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السُّبَيْعِيُّ.
قَوْلُهُ: (فَقِيلَ لَهُ) الْقَائِلُ هُوَ الرَّاوِي أَبُو إِسْحَاقَ بَيَّنَهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَغَازِي بِلَفْظِ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ آخِرًا فَأَيُّهُمْ.
قَوْلُهُ: (تِسْعَ عَشْرَةَ) كَذَا قَالَ وَمُرَادُهُ الْغَزَوَاتُ الَّتِي خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، لَكِنْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَدَدَ الْغَزَوَاتِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، فَعَلَى هَذَا فَفَاتَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذِكْرُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُمَا الْأَبْوَاءُ وَبَوَاطُ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُلْتُ: مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute