مُعَاذٍ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا) فِيهِ الْتِفَاتٌ عَلَى رَأْيٍ، وَالسِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ: قال: كُنْتُ صَدِيقًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ زَائِدَةً، وَيَكُونَ قَوْلُهُ قَالَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْمُرَادُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ النَّسَفِيِّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفٍ وَوَقَعَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ صَفْوَانَ، كَذَا لِلْمَرْوَزِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، وَالصَّوَابُ مَا عِنْدَ الْبَاقِينَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ أَبِي صَفْوَانَ، وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَبِي صَفْوَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَهِيَ كُنْيَةُ أُمَيَّةَ كُنِّيَ بِابْنِهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ أَصْحَابُ أَبِي إِسْحَاقَ ثُمَّ أَصْحَابُ إِسْرَائِيلَ عَلَى أَنَّ الْمَنْزُولَ عَلَيْهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ فَقَالَ: نَزَلَ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَاقَ الْقِصَّةَ كُلَّهَا، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ. وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ قُتِلَ بِبَدْرٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَارِهًا فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَدْرٍ، وَإِنَّمَا حَرَّضَ النَّاسَ عَلَى الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ سَلِمَتْ تِجَارَتُهُمْ فَخَالَفَهُ أَبُو جَهْلٍ، وَفِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّهَا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ لِقَوْلِهِ فِيهَا: فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ وَلَمْ يَكُنْ لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ صَفْوَانَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ) أَيْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ (لِأُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفٍ (انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ) فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: أَلَا تَنْظُرُ حَتَّى يَكُونَ نِصْفُ النَّهَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَعْدًا سَأَلَهُ وَأَشَارَ عَلَيْهِ أُمَيَّةُ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْخَلْوَةِ.
قَوْلُهُ: (أَلَا أَرَاكَ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهِيَ مُرَادَةٌ.
قَوْلُهُ: (أوَيْتُمْ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَالصُّبَاةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ صَابِي بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ وَقَدْ أوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ.
قَوْلُهُ: (طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ) أَيْ مَا يُقَارِبُهَا أَوْ يُحَاذِيهَا، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: طَرِيقَكَ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ. قُلْتُ: النَّصْبُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَامِلَهُ لَأَمْنَعَنَّكَ، فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ مَتْجَرَكَ إِلَى الشَّامِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَطْعِ طَرِيقِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَبِي الْحَكَمِ) هِيَ كُنْيَةُ أَبِي جَهْلٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ وهُوَ الَّذِي لَقَّبَهُ بِأَبِي جَهْلٍ.
قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّهُمْ قَاتَلُوكَ) كَذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ الْمُسْلِمُونَ، أَوِ النَّبِيُّ ﷺ، وَذَكَرَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَعْظِيمًا، وَفِي بَقِيَّةِ سِيَاقِ الْقِصَّةِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِيَ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ قَاتِلِيكَ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَدَلَ الْوَاوِ وَقَالُوا: هِيَ لَحْنٌ، وَوُجِّهَتْ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ قَاتِلِيكَ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ إنَّهُ قَاتِلُكَ بِالْإِفْرَادِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بَيَانُ وَهَمِ الْكَرْمَانِيِّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ لِأَبِي جَهْلٍ فَاسْتَشْكَلَهُ فَقَالَ أنَّ أَبَا جَهْلٍ لَمْ يَقْتُلْ أُمَيَّةَ، ثُمَّ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي خُرُوجِهِ حَتَّى قُتِلَ. قُلْتُ: وَرِوَايَةُ الْبَابِ كَافِيَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ أُمَيَّةَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَاتِلِي وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ لِأَبِي جَهْلٍ ذِكْرٌ.
قَوْلُهُ: (فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا) بَيَّنَ سَبَبَ فَزَعِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ فَفِيهَا قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، فَكَادَ أَنْ يُحْدِثَ كَذَا وَقَعَ عِنْدَهُ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ مِنَ الْحَدَثِ وَهُوَ خُرُوجُ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، وَالضَّمِيرُ لِأُمَيَّةَ أَيْ أَنَّهُ كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الْحَدَثُ مِنْ شِدَّةِ فَزَعِهِ، وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ إِلَّا تَصْحِيفًا.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ) أَيِ امْرَأَتِهِ (فَقَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ) هِيَ كُنْيَتُهَا، وَاسْمُهَا صَفِيَّةُ وَيُقَالُ: كَرِيمَةُ بِنْتُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وَهِيَ مِنْ رَهْطِ أُمَيَّةَ فَأُمَيَّةُ ابْنُ عَمِّ أَبِيهَا، وَقِيلَ: اسْمُهَا فَاخِتَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ.
قَوْلُهُ: (مَا قَالَ لِي سَعْدٌ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ ذَكَرَ الْأُخُوَّةَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُؤَاخَاةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَسَبَهُ إِلَى يَثْرِبَ وَهُوَ