ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ: إِنَّ سِنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ عَشْرَ سِنِينَ، وَالْيَرْمُوكُ - بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَسُكُونِ الرَّاءِ - مَوْضِعٌ مِنْ نَوَاحِي فِلَسْطِينَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ نَهْرٌ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّهُ مَوْضِعٌ بَيْنَ أَذْرِعَاتَ وَدِمَشْقَ كَانَتْ بِهِ الْوَاقِعَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَقُتِلَ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ مِنَ الرُّومِ سَبْعُونَ أَلْفًا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سَلْسَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ الثَّبَاتِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِمُ الْهَزِيمَةُ قُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانَ اسْمُ أَمِيرِ الرُّومِ مِنْ قِبَلِ هِرَقْلَ بَاهَانَ أَوَّلُهُ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ: مِيمٌ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْأَمِيرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ شَهِدَهَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مِائَةُ نَفْسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَلَا تَشُدَّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَوْلُهُ: كَذَبْتُمْ أَيِ اخْتَلَفْتُمْ، وَقَوْلُهُ: فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ أَيْ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ: أَلَا تَشُدَّ فَنَشُدَّ مَعَكَ. وَقَوْلُهُ: فَأَخَذُوا أَيْ الرُّومُ بِلِجَامِهِ أَيْ بِلِجَامِ فَرَسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ) هُوَ بِحَسَبِ إِلْغَاءِ الْكَسْرِ، وَإِلَّا سِنُّهُ حِينَئِذٍ كَانَ عَلَى الصَّحِيحِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَوْلُهُ: (وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَكَأَنَّ الزُّبَيْرَ آنَسَ مِنْ وَلَدِهِ عَبْدَ اللَّهِ شَجَاعَةً وَفُرُوسِيَّةً فَأَرْكَبَهُ الْفَرَسَ وَخَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَهْجِمَ بِتِلْكَ الْفَرَسِ عَلَى مَا لَا يُطِيقُهُ فَجَعَلَ مَعَهُ رَجُلًا لِيَأْمَنَ عَلَيْهِ مِنْ كَيْدِ الْعَدُوِّ إِذَا اشْتَغَلَ هُوَ عَنْهُ بِالْقِتَالِ، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْجِهَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِيهِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ حَمَلَ فَجَعَلَ يُجْهِزُ عَلَى جَرْحَاهُمْ، وَقَوْلُهُ: يُجْهِزُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِجِيمٍ وَزَاي أَيْ يُكْمِلُ قَتْلَ مَنْ وَجَدَهُ مَجْرُوحًا، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ قَلْبِهِ وَشَجَاعَتِهِ مِنْ صِغَرِهِ.
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى: (قَالَ عُرْوَةُ: وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَخْ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ عُرْوَةُ مَعَ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا حَاصَرَهُ الْحَجَّاجُ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ أَخَذَ الْحَجَّاجُ مَا وَجَدَهُ لَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ الَّذِي سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ، عُرْوَةَ عَنْهُ، وَخَرَجَ عُرْوَةُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالشَّامِ.
قَوْلُهُ: (فَلَّةٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (فُلَّهَا) بِضَمِّ الْفَاءِ، أَيْ كُسِرَتْ قِطْعَةً مِنْ حَدِّهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: صَدَقْتَ،
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
هَذَا شَطْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَشْهُورٍ مِنْ قَصِيدَةٍ مَشْهُورَةٍ لِلنَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ وَأَوَّلُهَا:
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِبِ … وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
يَقُولُ فِيهَا:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ … بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَهُوَ مِنَ الْمَدْحِ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، لِأَنَّ الْفُلَّ فِي السَّيْفِ نَقْصٌ حِسِّيٌّ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ دَلِيلًا عَلَى قُوَّةِ سَاعِدِ صَاحِبِهِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ كَمَالِهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ هِشَامٌ) هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ وَهُوَ مَوْصُولٌ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: فَأَقَمْنَاهُ أَيْ ذَكَرْنَا قِيمَتَهُ، تَقُولُ قَوَّمْتُ الشَّيْءَ وَأَقَمْتُهُ أَيْ ذَكَرْتَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ أَخُو هِشَامٍ، وَقَوْلُهُ: وَلَوَدِدْتُ إِلَخْ هُوَ مِنْ كَلَامِ هِشَامٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي فَرْوَةُ) هُوَ ابْنُ مَغْرَاءَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودٌ، وَعَلِيٌّ هُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ. وَقَوْلُهُ: مُحَلًّى بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنَ الْحِلْيَةِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ.
٣٩٧٦ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ. وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا