وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَوْلَى، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بِغَيْرِ ذِكْرِ أَبِي طَلْحَةَ.
قَوْلُهُ: (بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدَ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ جَمْعُ صِنْدِيدٍ بِوَزْنِ عِفْرِيتٍ وَهُوَ السَّيِّدُ الشُّجَاعُ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ لَا تُنَافِي رِوَايَةَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعِ أَيْضًا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَؤُلَاءِ جَمِيعِهِمْ، بَلْ سَيَأْتِي تَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ، وَيُمْكِنُ إِكْمَالُهُمْ مِمَّا سَرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ أَسْمَاءِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ بِبَدْرٍ بِأَنْ يُضِيفَ عَلَى مَنْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُمْ بِالرِّيَاسَةِ وَلَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبِيهِ، وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْكُفَّارِ كَانُوا سَبْعِينَ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ طُرِحُوا فِي الْقَلِيبِ كَانُوا الرُّؤَسَاءَ مِنْهُمْ ثُمَّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَخُصُّوا بِالْمُخَاطَبَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُعَانَدَةِ، وَطُرِحَ بَاقِي الْقَتْلَى فِي أَمْكِنَةٍ أُخْرَى. وَأَفَادَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْقَلِيبَ الْمَذْكُورَ كَانَ حَفَرَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّارِ فَنَاسَبَ أَنْ يُلْقَى فِيهِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ) أَيْ طَرَفِ الْبِئْرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى شَفِيرِ الرَّكِيِّ وَالرَّكِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ: الْبِئْرُ قَبْلَ أَنْ تُطْوَى. وَالْأَطْوَاءُ جَمْعُ طُوًى وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي طُوِيَتْ وَبُنِيَتْ بِالْحِجَارَةِ لِتَثْبُتَ وَلَا تَنْهَارَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهَا كَانَتْ مَطْوِيَّةً فَاسْتُهْدِمَتْ فَصَارَتْ كَالرَّكِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ) فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ فَنَادَى يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَسَمَّى الْأَرْبَعَةَ، لَكِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ، وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ. قَالَ فِي أَوَّلِهِ: تَرَكَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَيَّفُوا فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَسَمِعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُنَادِيهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَهَلْ يَسْمَعُونَ؟ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، لَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلِيبِ لِأَنَّهُ كَانَ ضَخْمًا فَانْتَفَخَ، فَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالتُّرَابِ مَا غَيَّبَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. لَكِنْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْقَلِيبِ فَنُودِيَ فِيمَنْ نُودِيَ، لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ رُؤَسَائِهِمْ، وَمِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ يَصِحُّ إِلْحَاقُهُ بِمَنْ سُمِّيَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُبَيْدَةُ، وَالْعَاصِ وَالِدُ أَبِي أُحَيْحَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ.
وَمَنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَأَخُوهُ عَقِيلٌ، وَالْعَاصِي بْنُ هِشَامٍ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَأَبُو قَيْسِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخُو خَالِدٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ عَمُّ طَلْحَةَ أَحَدِ الْعَشَرَةِ، وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَخُو أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ أَخُو أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ، وَأُمَيْمَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ، فَهَؤُلَاءِ الْعِشْرُونَ تَنْضَمُّ إِلَى الْأَرْبَعَةِ فَتَكْمُلُ الْعِدَّةُ. وَمِنْ جُمْلَةِ مُخَاطَبَتِهِمْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ بِئْسَ عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ، كَذَّبْتُمُونِي وَصَدَّقَنِي النَّاسُ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ قَتَادَةُ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (أَحْيَاهُمُ اللَّهُ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَعْيَانِهِمْ.
قَوْلُهُ: (تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَتَنَدُّمًا وَذِلَّةً وَصَغَارًا وَالصَّغَارُ الذِّلَّةُ وَالْهَوَانُ، وَأَرَادَ قَتَادَةُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَدَلَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي تَالِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. الْحَدِيثَ الثَّانِيَ عَشَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute