للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ.

فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ نُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ خِلَافِ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِ فِدَاءِ أَسْرَى الْكُفَّارِ بِالْمَالِ فِي بَابِ ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَيِ الرَّأْيَيْنِ كَانَ أَصْوَبَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلِمَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَلِدُخُولِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِذُرِّيَّتِهِ الَّتِي وُلِدَتْ لَهُ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، وَلِأَنَّهُ وَافَقَ غَلَبَةَ الرَّحْمَةِ عَلَى الْغَضَبِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ فِي حَقِّ مَنْ كَتَبَ لَهُ الرَّحْمَةَ، وَأَمَّا الْعِتَابُ عَلَى الْأَخْذِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ مَنْ آثَرَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَلَوْ قَلَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ:

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) لَمْ يَقَعْ لِي هَذَا الْأَثَرُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى) يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا، أَيْ أَنَّهُمْ مَاتُوا مُنْذُ قَامَتِ الْفِتْنَةُ بِمَقْتَلِ عُثْمَانَ إِلَى أَنْ قَامَتِ الْفِتْنَةُ الْأُخْرَى بِوَقْعَةِ الْحَرَّةِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَاتَ قَبْلَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ بِبِضْعِ سِنِينَ، وَغَفَلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ غَلَطٌ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ عَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ عَاشُوا بَعْدَ عُثْمَانَ زَمَانًا؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ قُتِلُوا عِنْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا الْأَثَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ وَقَعَتْ فِتْنَةُ الدَّارِ الْحَدِيثَ، وَفِتْنَةُ الدَّارِ هِيَ مَقْتَلُ عُثْمَانَ، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ الْأُولَى مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ فِي زَمَنِ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ مَوْجُودًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي الْحَرَّةَ إِلَخْ) كَانَتْ الْحَرَّةُ فِي آخِرِ زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ خَبَرِهَا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ) كَذَا فِي الْأُصُولِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ وَلَوْ قَدْ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ وَرَجَّحَهَا الدِّمْيَاطِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الثَّالِثَةُ، وَلَمْ يُفَسِّرِ الثَّالِثَةَ كَمَا فَسَّرَ غَيْرَهَا، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْأَزَارِقَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَرَادَ الْفِتَنَ الَّتِي وَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَقَدْ وَقَعَتْ فِتْنَةُ الْأَزَارِقَةِ عَقِبَ مَوْتِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَاسْتَمَرَّتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: لَمْ تُتْرَكِ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ إِلَّا يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَيَوْمَ الْحَرَّةِ قَالَ مَالِكٌ: وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: هُوَ يَوْمَ خُرُوجِ أَبِي حَمْزَةَ الْخَارِجِيِّ، قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِمُدَّةٍ.

ثُمَّ وَجَدْتُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ نَحْوَ هَذَا الْأَثَرِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَإِنْ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ لَمْ تَرْتَفِعْ وَبِالنَّاسِ طَبَاخٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ بِلَفْظِ وَلَوْ وَقَعَتْ وَهَذَا بِخِلَافِ الْجَزْمِ بِالثَّالِثَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَيُمْكِنُ الجمع بِأَنْ يَكُونَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ هَذَا أَوَّلًا ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّالِثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَوْلُهُ: طَبَاخٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ أَيْ قُوَّةٌ، قَالَ الْخَلِيلُ: أَصْلُ الطَّبَاخِ السِّمَنُ وَالْقُوَّةُ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْلِ وَالْخَيْرِ، قَالَ حَسَّانُ:

الْمَالُ يَغْشَى رِجَالًا لَا طَبَاخَ لَهُمْ … كَالسَّيْلِ يَغْشَى أُصُولَ الدِّنْدِنِ الْبَالِي

انْتَهَى. وَالدِّنْدِنُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأُولَى مَا اسْوَدَّ مِنَ النَّبَاتِ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ ذَكَرَ