وَجَعَلَهُ إِسْحَاقُ قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَرْمَانِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا اسْمُ جَدِّهِ يَسَارٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ أَعْتَقَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ لَمَّا قُتِلَ أَهْلُ بِئْرِ مَعُونَةَ عَنْ رَقَبَةٍ كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ، فَخَرَجَ عَمْرٌو إِلَى الْمَدِينَةِ فَصَادَفَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ مَعَهُمَا عَقْدٌ وَعَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَمْرٌو، فَقَالَ لَهُمَا عَمْرٌو: مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَذَكَرَا أَنَّهُمَا مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَتَرَكَهُمَا حَتَّى نَامَا فَقَتَلَهُمَا عَمْرٌو، وَظَنَّ أَنَّهُ ظَفِرَ بِبَعْضِ ثَأْرِ أَصْحَابِهِ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأُودِيَنَّهُمَا. انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي خَبَرُ غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَفِيهَا عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَسَرَهُ الْمُشْرِكُونَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَتِهِمَا فِيمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ يَسْتَعِينُهُمْ، قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوهُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ. قَالَ: وَكَانَ جَالِسًا إِلَى جَانِبِ جِدَارٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: مَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِيَ هَذِهِ الصَّخْرَةَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ وَيُرِيحَنَا مِنْهُ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جِحَاشِ بْنِ كَعْبٍ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَامَ مُظْهِرًا أَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَبْرَحُوا. وَرَجَعَ مُسْرِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَبْطَأَهُ أَصْحَابُهُ فَأُخْبِرُوا أَنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَحِقُوا بِهِ، فَأَمَرَ بِحَرْبِهِمْ وَالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ، فَتَحَصَّنُوا، فَأَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ وَالتَّحْرِيقِ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ حَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَكَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعَثُوا إِلَيْهِمْ أَنِ اثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا، فَإِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، فَتَرَبَّصُوا، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ، فَسَأَلُوا أَنْ يُجلَّوْا عَنْ أَرْضِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ فَصُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ فِي الْجَلَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاحْتُمِلُوا إِلَى خَيْبَرَ وَإِلَى الشَّامِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ جَلَوْا الْأَمْوَالِ مِنَ الْخَيْلِ وَالْمَزَارِعِ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَاصَّةً. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ فَأَحْرَزَا أَمْوَالَهُمَا.
وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كَتَبَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ قَبْلَ بَدْرٍ يُهَدِّدُونَهُمْ بِإِيوَائِهِمُ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ، وَيَتَوَعَّدُونَهُمْ أَنْ يَغْزُوهُمْ بِجَمِيعِ الْعَرَبِ، فَهَمَّ ابْنُ أُبَيٍّ وَمَنْ مَعَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: مَا كَادَكُمْ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا كَادَتْكُمْ قُرَيْشٌ، يُرِيدُونَ أَنْ تُلْقُوا بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ عَرَفُوا الْحَقَّ فَتَفَرَّقُوا. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ كَتَبَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَعْدَهَا إِلَى الْيَهُودِ أَنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ، يَتَهَدَّدونَهُمْ، فَأَجْمَعَ بَنُو النَّضِيرِ عَلَى الْغَدْرِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ: اخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَيَلْقَاكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا، فَإِنْ آمَنُوا بِكَ اتَّبَعْنَاكَ. فَفَعَلَ.
فَاشْتَمَلَ الْيَهُودُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْخَنَاجِرِ فَأَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى أَخٍ لَهَا مِنَ الْأَنْصَارِ مُسْلِمٍ تُخْبِرُهُ بِأَمْرِ بَنِي النَّضِيرِ، فَأَخْبَرَ أَخُوهَا النَّبِيَّ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ، فَرَجَعَ، وَصَبَّحَهُمْ بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ يَوْمَهُ، ثُمَّ غَدَا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَاصَرَهُمْ فَعَاهَدُوهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ إِلَّا السِّلَاحَ، فَاحْتَمَلُوا حَتَّى أَبْوَابَ بُيُوتِهِمْ، فَكَانُوا يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ فَيَهْدِمُونَهَا، وَيَحْمِلُونَ مَا يُوَافِقُهُمْ مِنْ خَشَبِهَا، وَكَانَ جَلَاؤُهُمْ ذَلِكَ أَوَّلَ حَشْرِ النَّاسِ إِلَى الشَّامِ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute