لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا. قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تِلْوَ هَذِهِ الْآيَاتِ أَحَادِيثَ كَالْمُفَسِّرَةِ لِلْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
الْأَوَّلُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ الْحَدِيثَ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ، فِيهِ تَجَوُّزٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الشُّهَدَاءِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ. وَقَدْ وَقَعَ فِي مُرْسَلِ أَيُّوبَ بْنِ بِشْرٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، فَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، أَيْ: عِنْدَ خُرُوجِهِ قَبْلَ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ.
قَوْلُهُ: (كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ) تَابَعَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَتَوْدِيعُ الْأَحْيَاءِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ سِيَاقَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ﷺ وَأَمَّا تَوْدِيعُ الْأَمْوَاتِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ أَرَادَ بِذَلِكَ انْقِطَاعَ زِيَارَتِهِ الْأَمْوَاتَ بِجَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَهِيَ حَيَاةٌ أُخْرَوِيَّةٌ لَا تُشْبِهُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَوْدِيعِ الْأَمْوَاتِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْجَنَائِزِ وَفِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَتَأْتِي بَقِيَّهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ، وَالْأَصِيلِيِّ هُنَا قَبْلَ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ: هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ الْحَدِيثَ، وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا أَبُو ذَرٍّ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ مُتْقِنِي رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا اسْتَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ. ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي هَذَا الْمَتْنِ يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
٤٠٤٣ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ ﵁، قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ ﷺ جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا، حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ لَا تَبْرَحُوا فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا. وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: لَا تُجِبُوهُ، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: لَا تُجبُوهُ، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَجِيبُوهُ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَجِيبُوهُ. قَالُوا: مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute