غَيْرِهِمَا. وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعْمَة اللَّهِ وَيَعْتَرِفَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ أَدَاءِ شُكْرِهَا. وَفِيهِ شُؤْمُ ارْتِكَابِ النَّهْيِ، وَأَنَّهُ يَعُمُّ ضَرَرُهُ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ وَأَنَّ مَنْ آثَرَ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ دُنْيَاهُ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْكَائِنَةِ أَخْذُ الصَّحَابَةِ الْحَذَرَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِهَا، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الطَّاعَةِ، وَالتَّحَرُّزَ مِنَ الْعَدُوِّ الَّذِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ﷾ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَيْضًا ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ وَقَالَ: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ.
٤٠٤٤ - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ) سَمَّى جَابِرٌ مِنْهُمْ - فِيمَا رَوَاهُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ عَنْهُ - أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ كَانَ بَعْدَ أُحُدٍ، وَصَرَّحَ صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ بِذَلِكَ، فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَوَائِدِهِ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ.
٤٠٤٥ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ. وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ - أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا - وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا. ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ)، أَيِ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
قَوْلُهُ: (أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِطَعَامٍ) فِي رِوَايَةِ نَوْفَلِ بْنِ إِيَاسٍ أَنَّ الطَّعَامَ كَانَ خُبْزًا وَلَحْمًا، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ صَائِمٌ) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ.
قَوْلُهُ: (قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ) تَقَدَّمَ نَسَبُهُ وَذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى الْهِجْرَةِ، وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، عَمْرَو بْنَ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ، فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا. وَفِي الْجِهَادِ لِابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ مُرْسَلِ عُبَدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ مُتَجَعِّفٌ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي) لَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ تَفْضِيلِ الْعَشَرَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَظِيرُ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ