وَيَكُونُ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ، فَمَنْ قَالَ: قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْغَى الْكَسْرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي عَدَدِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ) سَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَيُوَضِّحُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْأَنْصَارِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَنَافِعِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ) قَدْ سَرَدَ أَسْمَاءَهُمُ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي الرِّدَّةِ كَسَيْفٍ، وَوَثِيمَةَ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ إِلَخْ) قَائِلُ ذَلِكَ قَتَادَةُ، قَالَهُ شَرْحًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ.
قَوْلُهُ: (وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ)، كَذَا بِالْوَاوِ وَهِيَ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ هُوَ يَوْمُ مُسَيْلِمَةَ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوُ حَدِيثِ قَتَادَةَ فِي عِدَّةِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَزَادَ: وَيَوْمُ مُؤْتَةَ سَبْعُونَ، وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَلَفْظُهُ: عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَا رَبَّ سَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَسَبْعِينَ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ خَطَأٌ. ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَذَكَرَ بَدَلَ يَوْمِ مُؤْتَةَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ. قُلْتُ: وَهِيَ وَقْعَةٌ بِالْعِرَاقِ كَانَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: (قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ) فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَكَانَ يَقُولُ: انْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِمَّنْ دُفِنَ جَمِيعًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَخَالَهُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو وَالِدِ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ فِيهِ: (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجَنَائِزِ، وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْهُ بِأَنَّهُ نَافٍ وَغَيْرُهُ مُثْبِتٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِثْبَاتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ غَيْرِ الْمَحْصُورِ، وَأَمَّا نَفْيُ الشَّيْءِ الْمَحْصُورِ إِذَا كَانَ رَاوِيهِ حَافِظًا فَإِنَّهُ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْإِثْبَاتِ إِذَا كَانَ رَاوِيهِ ضَعِيفًا كَالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ إِثْبَاتُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ إِنَّمَا هِيَ قِصَّةِ حَمْزَةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِهِ حَمْزَةُ مِنَ الْفَضْلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُوقَفُ الِاسْتِدْلَالُ. قَالُوا: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَمَا قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِمْ ثَانِيَ يَوْمٍ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ) وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ بِسَنَدِهِ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا قُتِلَ أَبِي) زَادَ فِي الْجَنَائِزِ: يَوْمَ أُحُدٍ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَنْهَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَا يَنْهَانِي.
قَوْلُهُ: (لَا تَبْكِهِ) كَذَا هُنَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِجَابِرٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرٍو عَمَّةِ جَابِرٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: قُتِلَ أَبِي - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ - وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو عَمَّتِي تَبْكِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا تَبْكِيهِ وَكَذَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْجَنَائِزِ نَحْوُ هَذَا، وَمَنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ نَحْوَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى.
قَوْلُهُ: (أُرَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَذَا فِي الْأُصُولِ: أُرَى وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أَظُنُّ، وَالْقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ الْبُخَارِيُّ كَأَنَّهُ شَكَّ هَلْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِ صِيغَةَ الرَّفْعِ أَمْ لَا، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفِي التَّعْبِيرِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو يَعْلَى، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فَلَمْ يَتَرَدَّدَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (رَأَيْتُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أُرِيتُ.
قَوْلُهُ: (أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا). فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سَيْفِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْغَزْوَةِ أنَّهُ ذُو الْفَقَارِ.
قَوْلُهُ: (فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ) عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثُلْمًا وَعِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي الْمَغَازِي